وَيُنْظَرُ قَدْرَ مَسَافَةِ الْعَلِيلَةِ، فَإِنْ كَانَ خَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ أَلْفٍ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ بَصَرِهَا النِّصْفَ، فَيُؤْخَذُ بِرُبُعِ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ نِصْفُ دِيَةِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ أَلْفٍ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ بَصَرِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارٍ، فَيُؤْخَذُ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ نِصْفِ الدِّيَةِ، وَعَلَى هَذِهِ الْعِبْرَةُ فِيمَا زَادَ وَنَقَصَ، فَإِنْ سَأَلَ الْجَانِي إِحْلَافَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَسَافَةِ أُحْلِفَ لَهُ، وَلَا قِصَاصَ فِي هَذَا، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنَ الْبَصَرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ فِيهِ.
(فَصْلٌ)
وَلَوْ جَنَى عَلَى عَيْنَيْهِ فَأَذْهَبَ بَعْضَ بَصَرِهِمَا فَيَعْتَذِرُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارَ مَا ذَهَبَ مِنْهُمَا بِالْجِنَايَةِ، لِأَنَّ النُّقْصَانَ فِي الْعَيْنَيْنِ مَعًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ مَدَى بَصَرِهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ اعْتَبَرَ مَدَى بَصَرِهِ بَعْدَهَا، وَلَزِمَهُ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَعْلَمْ بعدها قدر الذاهب منهما، فيلزمه حكومة بمقدرها الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ.
وَلَوْ كَانَ فِي عَيْنِهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا بَيَاضٌ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِي الْبَصَرِ، وَيَرَى مَعَ الْبَيَاضِ مَا كَانَ يَرَاهُ قَبْلَهُ، فَفِي بَصَرِهِ إِذَا ذَهَبَ بِالْجِنَايَةِ الدِّيَةُ تَامَّةً، وَلَا يَكُونُ لِلْبَيَاضِ تَأْثِيرٌ فِي الدِّيَةِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْبَصَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ النَّظَرُ أَوْ لَا يَشُقُّ، لِأَنَّهُ يُدْرِكُ مَعَ الْمَشَقَّةِ مَا كَانَ يُدْرِكُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَيَاضُ قَدْ مَنَعَهُ مِنَ النَّظَرِ حَتَّى صَارَ لَا يُبْصِرُ مِنْ قُرْبٍ وَلَا بُعْدٍ، فَيَكُونُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ كَالْبَصَرِ الذَّاهِبِ لَا تَجِبُ فِيهِ إِلَّا حُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَصَرُهُ بَاقِيًا تَحْتَ الْبَيَاضِ، لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُ بِهِ كَمَا لَا يُبْصِرُ بِالذَّاهِبِ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَيْسَ مَا يُرْجَى مِنْ زَوَالِ الْبَيَاضِ بِالْعِلَاجِ فَيَعُودُ الْبَصَرُ بِمَانِعٍ مِنْ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ حُكْمُ الذَّاهِبِ الْبَصَرِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي قَدْرِ الْحُكُومَةِ فَتَكُونُ حُكُومَةُ ذَاتِ الْبَيَاضِ أَكْثَرَ لِبَقَاءِ الْبَصَرِ تَحْتَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْبَيَاضُ قَدْ أَذْهَبَ بَعْضَ بَصَرِهِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَدْ غَشِيَ جَمِيعَ النَّاظِرِ، وَهُوَ رَقِيقٌ فَصَارَ مُبْصِرًا أَقَلَّ مِنْ بَصَرِهِ قَبْلَ الْبَيَاضِ، فَيَتَعَذَّرُ فِي هَذَا مَعْرِفَةٌ مِنْهُ بِالْبَيَاضِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ مَدَى بَصَرِهِ قَبْلَ الْبَيَاضِ فَيَعْرِفُ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَهُ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقَدِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ فَيَلْزَمُهُ مِنَ الدِّيَةِ بِقِسْطِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَيَاضُ قَدْ غَشِيَ بَعْضَ النَّاظِرِ فَلَا يُبْصِرُ بِمَا غشاه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute