للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ، وَيَكُونُ الصَّدَاقُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مِنْ مُعَيَّنٍ لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا خِدْمَةَ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ كَانَ بَاطِلًا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدَ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ.

وَخَالَفَ أَنْ يُصْدِقَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لَا يَمْلِكُهَا، لِأَنَّ الْأَلْفَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَالْمَنْفَعَةُ هَهُنَا مُعَيَّنَةٌ، ألا تره لَوْ بَاعَ سِلْمًا ثَوْبًا مَوْصُوفًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ جَازَ، وَلَوْ بَاعَ ثَوْبًا مَعِيبًا لَا يَمْلِكُهُ لَمْ يَجُزْ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ إِنَّ الصَّدَاقَ جَائِزٌ كَانَتْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَصْبِرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فَيُعَلِّمَهَا، وَبَيْنَ أَنْ تَتَعَجَّلَ الْفَسْخَ وَتَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ التَّعْلِيمِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَبِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي، فَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنَا أَسْتَأْجِرُ لَكِ مَنْ يُعَلِّمُكِ لَمْ يَلْزَمْهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ مِنْهُ فِي عَيْنِهِ كَمَا لَوْ آجَرَهُ عَبْدًا فَزَمِنَ بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَبْدًا غَيْرَهُ، وَخَالَفَ أَنْ تُرِيدَ إِبْدَالَ نَفْسِهَا بِغَيْرِهَا، فَيَكُونُ لَهَا ذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ لا حق له، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ مُخَيَّرَةً فِي اسْتِيفَائِهِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا فِي أَدَائِهِ.

وَإِنْ قِيلَ بِالْوَجْهِ الثَّانِي إِنَّ الصَّدَاقَ بَاطِلٌ، فَلَا فَرْقَ فِي بُطْلَانِهِ بَيْنَ أَنْ يتعلم القرآن من بعد أولا يَتَعَلَّمَهُ، وَفِيمَا تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى:

أَحَدُهُمَا: أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

وَالثَّانِي: مَهْرُ المثل.

فصل: القول في تزويج الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ

وَإِذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً عَلَى تَعْلِيمِهَا الْقُرْآنَ، نُظِرَ:

فَإِنْ كَانَ قَصْدُهَا الِاهْتِدَاءَ بِهِ وَاعْتِبَارَ إِعْجَازِهِ وَدَلَائِلِهِ جَازَ، وَعَلَيْهِ تَعْلِيمُهَا إِيَّاهُ كَالْمُسْلِمَةِ.

وَإِنْ كَانَ قَصْدُهَا الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَالْقَدْحَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ صَدَاقًا بَاطِلًا؛ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ صِيَانَةِ الْقُرْآنِ عَنِ الْقَدْحِ وَالِاعْتِرَاضِ.

وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَصْدَهَا فَهُوَ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ هِدَايَةٌ وَإِرْشَادٌ، ثُمَّ يَسِيرُ بَحْثَ حَالِهَا فِي وَقْتِ التَّعْلِيمِ، فَإِنْ عَرَفَ مِنْهَا مَبَادِئَ الْهِدَايَةِ: أَقَامَ عَلَى تَعْلِيمِهَا، وَإِنْ عَرَفَ مِنْهَا مَبَادِئَ الِاعْتِرَاضِ وَالْقَدْحِ فَسَخَ الصَّدَاقَ، وَعَدَلَ إِلَى بَدَلِهِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

وَالثَّانِي: مهر المثل.

<<  <  ج: ص:  >  >>