لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، سَوَاءٌ تَسَاوَتِ الْجِرَاحَتَانِ أَوْ تَفَاضَلَتَا ما لم يكن أحدهما موحياً، فإن وحاه أَحَدُهُمَا، فَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، فَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ مِمَّا يَمْتَنِعُ بِجَنَاحِهِ، وَيَمْتَنِعُ بِرِجْلِهِ كالرواح والفتح، فَكَسَرَ أَحَدُهُمَا جَنَاحَهُ وَكَسَرَ الْآخَرُ رِجْلَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِتَأْثِيرِ كُلِّ واحدٍ منهما في إثباته.
والوجه الثاني: أن يَكُونُ لِكَاسِرِ جَنَاحِهِ دُونَ كَاسِرِ رِجْلِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ بِجَنَاحِهِ أَقْوَى، وَقَدْ يَمْتَنِعُ، وَإِنْ كَانَ مَكْسُورَ الرِّجْلِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا على الآخر، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون لكاسر الجناح أولاً أَوْ آخِرًا؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَهُ بِكَسْرِهِ أَقْوَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِإِثْبَاتِهِ بِهِمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَكُونُ لِلثَّانِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ بِهِ كَمَالَ إِثْبَاتِهِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا تَنَازَعَ رَامِيًا الصَّيْدَ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى إِصَابَتِهِ، لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا، وَادَّعَى الْآخَرُ تَقَدُّمَهُ بِالْإِصَابَةِ لِيَكُونَ لَهُ وَحْدَهُ لم يخل الصيد من ثلاثة أحوالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا، فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الِاجْتِمَاعِ فِي الْإِصَابَةِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَسَاوِيَهُمَا فِي الْمِلْكِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْيَدِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيةُ: أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ مَعَ يَمِينِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيَ الِاجْتِمَاعِ أَوْ مُدَّعِيَ التَّقَدُّمِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ أَيْدِيهِمَا، فَالظَّاهِرُ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ، فَهَلْ يُحْكَمُ فِيهِ بِالظَّاهِرِ، أَوْ يُحْكَمُ بِمُوجِبِ الدَّعْوَى، فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ مُدَّعِي الِاجْتِمَاعِ دُونَ مُدَّعِي التَّقَدُّمِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالتَّسَاوِي وَالِاشْتِرَاكِ، فَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَيَكُونُ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُحْكَمَ بِمُوجِبِ الدَّعْوَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِمُدَّعِي التَّقَدُّمِ النِّصْفُ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الِاجْتِمَاعِ يَعْتَرِفُ بِهِ لَهُ وَهُمَا مُتَنَازِعَانِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَحَالَفَا عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ جَعَلْنَاهُ لِلْحَالِفِ، وَإِنْ حَلَفَا مَعًا جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا، فَيَصِيرُ لِمُدَّعِي التَّقَدُّمِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِمُدَّعِي الِاجْتِمَاعِ رُبُعُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي وَلَمْ يَدْرِ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أَوْ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ".