للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبَّاسٍ " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا) فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَهُ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا فِيهَا مَعَ مَالِكِهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ الاستئذان، ولكن عليه إذا أَرَادَ الدُّخُولَ أَنْ يُشْعِرَ بِدُخُولِهِ، بِالنَّحْنَحَةِ، وَشِدَّةِ الوطئ، وَتَثْقِيلِ الْخُطُوَاتِ لِيَسْتَتِرَ الْعُرْيَانُ، وَيَفْتَرِقَ الْمُجْتَمِعَانِ.

وَالْحَال الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ ذُو الْمَحْرَمِ سَاكِنًا فِيهَا، فَيَنْظُرُ فِي الْبَابِ، فَإِنْ كَانَ مُغَلَّقًا، لَمْ يَجُزِ الدُّخُولُ إِلَّا بِإِذْنٍ، وَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا فَفِي وُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ وَانْتِظَارِ الْإِذْنِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِئْذَانُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إِذنٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الدَّارِ عَلَى عَوْرَةٍ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ) .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لا يلتزم الِاسْتِئْذَانُ وَيَلْزَمُ الْإِشْعَارُ بِالدُّخُولِ بِالنَّحْنَحَةِ وَالْحَرَكَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيت أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم} [النور: ٦١] الآية ففرق الله تعالى بَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْإِبَاحَةِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الدُّخُولِ بِإِذْنٍ، وَغَيْرِ إِذْنٍ، فَدَخَلَهَا مَنْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالْقَتْلِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِفَقْءِ الْعَيْنِ أَمْ لَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَيَسْتَحِقُّ إِخْرَاجُهُ مِنْهَا بِالْقَوْلِ، وَلَا يَتَجَاوَزُهُ إِنْ خَرَجَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِالْقَوْلِ تَجَاوَزَهُ إِلَى الدَّفْعِ، وَالْجَرِّ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ تَجَاوَزَهُ إِلَى الضَّرْبِ بِالْعَصَا، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ تَجَاوَزَهُ إِلَى الْجَرْحِ بِالسَّيْفِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إِلَّا بِالْقَتْلِ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَطَالِبِ النَّفْسِ وَالْمَالِ يَتَرَتَّبُ الْأَمْرُ فِيهِمَا بِأَقْرَبِ ما يمكن إلى أن تنتهي غايته إلى القتل، فإن وُجِدَ هَذَا الدَّاخِلُ قَتِيلًا فِي الدَّارِ فَادَّعَى صَاحِبُهَا أَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ دَارِهِ، وَتَوَصُلًا إِلَى إِخْرَاجِهِ، وَادَّعَى وَلِيُّهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَادَّعَى أَنَّهُ وجده مع امْرَأَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ. وأُقِيدَ مِنْهُ، فَلَوْ أقام صاحب الدار بينته أنه دخل عليه بسيف مشهور، أو قوس موتور، أو رهب مَخْرُوط، نُظِرَ فِي الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ أُكْمِلَتِ الشَّهَادَةُ بِأَنْ قَالُوا: وَأَرَادَهُ بِذَلِكَ: سَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ. وإن لم يقولوا له ذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ والدية؛ لأن الظاهر من هذه الحال تشهد بِصِدْقِ الْمُدَّعِي، فَقُبِلَ بِهَا قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ فِيهِ، وَلَا تُوجِبُ سُقُوطَ الدِّيَةِ، لِاحْتِمَالِ دُخُولِهِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَكُونَ لِهَرَبٍ مِنْ طَلَبٍ، وَلَكِنْ لَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>