للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ بَدَنَةٌ وَيَحُجُّ مِنْ قابلٍ بِامْرَأَتِهِ وَيُجْزِي عَنْهُمَا هديٌ واحدٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَطْءَ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ مُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ والكفارة، وإذا كان لذلك فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ، فَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي إِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا. وَالْفَصْلُ الثَّانِي في وجوب الكفرة عَنْهُمَا، وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إما أن يكون مُحْرِمَيْنِ مَعًا، أَوْ يَكُونَ الْوَاطِئُ مُحْرِمًا دُونَ الْمَوْطُوءَةِ أَوْ تَكُونَ الْمَوْطُوءَةُ مُحْرِمَةً دُونَ الْوَاطِئِ؛ فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ مَعًا فَقَدْ أَفْسَدَا حَجَّهُمَا، وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهَا، وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ فِي عَامِهِمُ الْمُقْبِلِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ فَمَتَى شَاءَا كَانَ لهما أن يقضيا في عام واحد وعامين؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ بِأَوْكَدَ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا كَانَتْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَاخِي، فَالْقَضَاءُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي، وَلِأَنَّ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَضِيقُ وَقْتُهَا وَيَجِبُ فِعْلُهَا عَلَى الْفَوْرِ إِذَا فَاتَتْ كَانَ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي كالصوم؛ فَالْحَجُّ الَّذِي نَجْعَلُهُ عَلَى التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ بِالْقَضَاءِ أَوَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي دُونَ الفور.

والوجه الثاني: أن عليهما الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَهُوَ منصوص المذهب؛ لأن القضاء بِالدُّخُولِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، فَقَضَاؤُهُ يَجِبُ أن يكون مثله فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ ثُمَّ كَانَ الْحَجُّ الَّذِي قد ضاق وقته مطيقاً فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمَوْطُوءَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ سِفَاحٍ، أَوْ أَمَةً وُطِئَتْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَوْ تَكُونَ زَوْجَةً وُطِئَتْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ سِفَاحٍ فَمَؤُوْنَةُ الْحَجِّ فِي الْقَضَاءِ وَاجِبَةٌ فِي مَالِهَا دُونَ مَالِ الْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِتَحَمُّلِ الْمَؤُونَةِ كَالنَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وُطِئَتْ بِمِلْكِ يَمِينٍ فَمَؤُونَةُ الْقَضَاءِ وَاجِبَةٌ عَلَى السَّيِّدِ الْوَاطِئِ دُونَ الْأُمَّةِ الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَا كَسَبَتْ، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً وُطِئَتْ بِعَقْدِ نِكَاحٍ فَفِي مَؤُونَةِ حَجِّهَا فِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: فِي مَالِ الزَّوْجَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ وَمَا لَزِمَ الزَّوْجَةَ مِنْ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ فَالنَّفَقَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا فِي مَالِ الزَّوْجَةِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الزَّوْجُ عَنْهَا كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ مَؤُونَةَ الْقَضَاءِ فِي مَالِ الزَّوْجِ لِلْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا وَجَبَ بِالْوَطْءِ، وَحُقُوقُ الْأَمْوَالِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَطْءِ يَخْتَصُّ بِتَحَمُّلِهَا الزَّوْجُ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مُحْرِمًا دُونَ الْمَوْطُوءَةِ فَعَلَى الْوَاطِئِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ دُونَ الْمَوْطُوءَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ مُحْرِمَةً دُونَ الْوَاطِئِ فَعَلَى الْمَوْطُوءَةِ الْقَضَاءُ دُونَ الْوَاطِئِ وَالْكَلَامُ فِي تَحَمُّلِ مَؤُونَةِ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَضَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>