ومنها اخْتِلَافُ أَصْحَابِنَا فِي السَّبْقِ بِالصِّرَاعِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَائِزٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْأَبْطَحِ، فَرَأَى يَزِيدَ بْنَ رُكَانَةَ يَرْعَى أَعْنُزًا لَهُ، فَقَالَ: يَزِيدُ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَارِعَنِي؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا تَسْتَبِقُ لِي؟ فَقَالَ: شَاةً، فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَزِيدُ: هَلْ لَكَ الْعَوْدُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا تَسْتَبِقُ لِي؟ فَقَالَ: شَاةً، فَصَارَعَهُ، فَصَرَعَهُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَزِيدُ: يَا مُحَمَّدُ اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَمَا أحدٌ وَضَعَ جَنْبِي عَلَى الْأَرْضِ غَيْرُكَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، وَرَّدَ عَلَيْهِ غَنَمَهُ " فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ السَّبْقِ عَلَى الصِّرَاعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّبْقُ عَلَى الصِّرَاعِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ مِنَ السَّبْقِ بِالْأَقْدَامِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ قِيلَ: إِنَّ السَّبْقَ عَلَى الصِّرَاعِ لَا يَجُوزُ، فَالسَّبْقُ عَلَى الْمُشَابَكَةِ بِالْأَيْدِي لَا يَجُوزُ وَإِنْ قِيلَ: بِجَوَازِهِ فِي الصِّرَاعِ فَفِي جَوَازِهِ بِالْمُشَابَكَةِ وَجْهَانِ كَالسِّبَاحَةِ.
وَمِنْهَا اخْتِلَافُ أَصْحَابِنَا فِي السَّبْقِ بِالْحَمَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا بِالْهِدَايَةِ تُؤَدِّي أَخْبَارَ الْمُجَاهِدِينَ بِسُرْعَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَسْعَى بِحَمَامَةٍ، فَقَالَ: " شيطانٌ مع شيطانةٍ ".
فأما السبق بالكلام وَبِنِطَاحِ الْكِبَاشِ وَنُقَارِ الدِّيَكَةِ، فَهُوَ أَسْفَهُ، وَالسَّبْقُ فِيهِ بَاطِلٌ لَا يَخْتَلِفُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا النَّصْلُ، وَهُوَ السِّهَامُ، فَقِيَاسُهُ كُلُّ سِلَاحٍ فَارَقَ يَدَ صَاحِبِهِ مِنَ الْحِرَابِ، وَمَقَالِيعِ الْأَحْجَارِ وَقَسِّ الْبُنْدُقِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فِيمَا لَا يُفَارِقُ يَدَ صَاحِبِهِ مِنَ السُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ وَالْأَعْمِدَةِ، هَلْ يَجُوزُ السَّبْقُ بِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ كَالْمُفَارِقِ لِيَدِهِ؛ لِأَنَّ جِهَادَ الْعَدُوِّ بِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مُحَارِبًا، لَا مُسَابِقًا.
فَأَمَّا السَّبْقُ بِالْمَدَاحِي وَكُرَةِ الصَّوْلَجَانِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ لَا يكون بهما.