للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَكَشَفَ الْقِنَاعَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إِنْ طَلَّقَهَا الثَّانِي فَقَالَ: (لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا) .

وَالْعُسَيْلَةُ: مُخْتَلِفٌ فِيهَا فَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ إِلَى أَنَّهَا لَذَّةُ الْجِمَاعِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا الْإِنْزَالُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهَا الْجِمَاعُ، لِأَنَّ اللَّذَّةَ زِيَادَةٌ وَالْإِنْزَالَ غَايَةٌ.

وَقَدْ رَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: (الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ) .

وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُصِيبَهَا الثَّانِي.

وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ وَهِيَ مَاؤُهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالَفَةٌ، لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ شَرْطُ عُقُوبَةٍ للأول، وزجراً مِنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِتَدْعُوَهُ الْحَمِيَّةُ وَالْأَنَفَةُ مِنْ نِكَاحِ الزَّوْجَةِ أَنْ لَا يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطَلِّقُونَ وَيُرَاجِعُونَ، فَلَوْ حَلَّتْ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ إِصَابَةٍ لَمَا دَخَلَهُ مِنَ الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الثَّلَاثِ كَمَا يَدْخُلُهُ إِذَا وُطِئَتْ، فَلِذَلِكَ صَارَ الْوَطْءُ مَشْرُوطًا.

فَأَمَّا الْآيَةُ وَأَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الْعَقْدُ دُونَ الوطء فعنها جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَقْدَ حَقِيقَةٌ فِي النِّكَاحِ، فَجَازَ فِي الْوَطْءُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَجَازِهِ بِدَلِيلٍ، وَالسُّنَّةُ أَقْوَى دَلِيلٍ، قَالَ الشافعي: فسرت السنة والكتاب وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْقُرْآنُ هُوَ السُّنَّةُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَ أَوْجَبَ شَرْطًا هُوَ الْعَقْدُ، وَالسُّنَّةَ أَوْجَبَتْ شَرْطًا ثَانِيًا وَهُوَ الْإِصَابَةُ فَاقْتَضَى وُجُوبَ أَحَدِهِمَا بِالْكِتَابِ، وَوُجُوبَ الْآخَرِ بِالسُّنَّةِ.

وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ أَوْسَعُ لِحُصُولِهِ بِالْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ كَذَلِكَ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَالْإِبَاحَةُ لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ بِالْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا بِالْفَاسِدِ مِنَ الْعُقُودِ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إِلَّا بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ:

أَحُدُّهَا: أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَطَأَهَا. وَالرَّابِعُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا إِمَّا ثَلَاثًا أَوْ دُونَهَا.

وَالْخَامِسُ: أَنْ تَقْضِيَ مِنْهُ عِدَّتَهَا فَتَحِلَّ حِينَئِذٍ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَنْكِحَهَا غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْإِبَاحَةُ فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ شَرْطَانِ الْعَقْدُ وَالْإِصَابَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>