للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: التَّفَاضُلُ سَوَاءٌ كَانَ نَقْدًا أَوْ نَسَاءً فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ عَاجِلًا وَلَا آجِلًا.

وَالثَّانِي: الْآجِلُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَفَاضِلًا أَوْ مُتَمَاثِلًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ نَسَاءً مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَمَاثِلًا. فَأَمَّا الْجِنْسَانِ الْمُخْتَلِفَانِ فَلَا يَدْخُلُهُمَا الرِّبَا إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَجَلُ. فَأَمَّا التَّفَاضُلُ أَوِ التَّمَاثُلُ فَيَجُوزُ فِيهِمَا: فإذا باع الفضة بالذهب أبو الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ نَقْدًا جَازَ سَوَاءٌ كَانَ مُتَفَاضِلًا أَوْ مُتَمَاثِلًا وَإِنْ بَاعَهُ إِلَى أَجَلٍ لَمْ يجز. سواء كان متماثلا أو متفاضلا.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا غَيْرَ مَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الْمَأْكُولِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَمَّى ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الرِّبَا فَسِتَّةُ أَشْيَاءَ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِهَا وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا وَهِيَ: الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْبُرُّ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالْمِلْحُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِيمَا عَدَاهَا. فَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ، وَمَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ.

وَنُفَاةِ الْقِيَاسِ بِأَسْرِهِمْ أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا عَدَا السِّتَّةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ التَّخَطِّي عَنْهَا إِلَى مَا سِوَاهَا تَمَسُّكًا بِالنَّصِّ، وَنَفْيًا لِلْقِيَاسِ، وَاطِّرَاحًا لِلْمَعَانِي.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ومثبتوا الْقِيَاسِ إِلَى أَنَّ الرِّبَا يَتَجَاوَزُ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ إِلَى مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْعٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ وَالْكَلَامُ فِيهَا يَلْزَمُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ، فَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ حُجَّةً ثَبَتَ أَنَّ الرِّبَا يَتَجَاوَزُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّصُّ مِنَ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَهَذَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ الظَّاهِرِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ هذا الطريق ثلاثة أشياء:

أحدهما: قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] . وَالرِّبَا اسْمٌ لِلزِّيَادَةِ وَالْفَضْلِ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ.

أَمَّا اللُّغَةُ فَكَقَوْلِهِمْ قَدْ رَبَا السَّوِيقُ إِذَا زَادَ، وَقَدْ أَرْبَى عَلَيَّ فِي الْكَلَامِ إِذَا زَادَ فِي السَّبِّ، وَهَذِهِ رَبْوَةٌ مِنَ الْأَرْضِ إِذَا زَادَتْ عَلَى مَا جَاوَرَهَا.

وَأَمَّا الشَّرْعُ: فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧٦] . أَيْ يُضَاعِفُهَا وَيَزِيدُ فِيهَا وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: ٥] . أَيْ زَادَتْ وَنَمَتْ.

وَإِذَا كَانَ الرِّبَا مَا ذَكَرْنَا اسْمًا لِلزِّيَادَةِ لُغَةً وَشَرْعًا دَلَّ عُمُومُ الْآيَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْفَضْلِ وَالزِّيَادَةِ إِلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>