إِلَى صُورَةِ الرَّهْنِ وَصِفَتِهِ. وَلِأَنَّ نُكُولَ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الرَّاهِنِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الرَّاهِنِ فِي إِسْقَاطِ الْخِيَارِ. كَذَلِكَ نُكُولُ الرَّاهِنِ بَعْدَ الْمُرْتَهِنِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْمُرْتَهِنِ فِي إِثْبَاتِ الْخِيَارِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى لَوْ حَلَفَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْكَمُ لِلْمُرْتَهِنِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِئْنَافَ حُكْمٍ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْنَفَ حُكْمٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ نُكُولُ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الرَّاهِنِ، لِأَنَّ فِيهِ اسْتِدَامَةَ حُكْمٍ فِي إِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِئْنَافُ حُكْمٍ فِي إِثْبَاتِ الْخِيَارِ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَمْ يُرِقْهُ حَتَّى صَارَ خَلًّا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ: صَارَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: صَارَتْ خَلًّا بِالتَّخْلِيلِ، فَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ بِدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الرَّهْنِ خُرُوجًا لَا يَجُوزُ عَوْدُهُ إِلَيْهِ فَكَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا فَيَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ أَنَّهَا اسْتَحَالَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا وَلَهُ بَيْعُهَا وَالتَّفَرُّدُ بِثَمَنِهَا.
وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: اسْتَحَالَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ: صَارَتْ خَلًّا بِالتَّخْلِيلِ فَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهَا اسْتَحَالَتْ بِنَفْسِهَا وَتَكُونُ رَهْنًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ أَنَّهَا صَارَتْ خَلًّا بِالتَّخْلِيلِ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ وَتَحْرُمُ عَلَى الرَّاهِنِ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي إِقْرَارِ الرَّاهِنِ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَإِنْكَارِ الْمُرْتَهِنِ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْجَارِيَةَ وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِقَةٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ دُونَ وَلَدِهَا وَلَا يُبَاعَ وَلَدُهَا دُونَهَا. فَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَيَجُوزُ أَنْ تُرْهَنَ الْجَارِيَةُ دُونَ وَلَدِهَا وَالْوَلَدُ دُونَهَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ حَضَانَةِ الْوَلَدِ وَإِرْضَاعِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ تُرْهَنَ دُونَ وَلَدِهَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَاعَ دُونَ وَلَدِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَلَيْهَا يَجْرِي مَجْرَى إِجَارَتِهَا بَلْ هُوَ أَقْرَبُ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يُوجِبُ حَبْسَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ الْمَنَافِعِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ يُوجِبُ حَبْسَ الرَّقَبَةِ وَلَا يُوجِبُ مِلْكَ الْمَنَافِعِ فَلَمَّا جَازَتْ إِجَارَتُهَا دون ولدها جاز رهنها دون ولدها.