للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَاوُسٌ إِلَى أَنَّ إِجَارَةَ الْأَرَضِينَ بَاطِلَةٌ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي مَا قَالَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِنَّ إِجَارَتَهَا جَائِزَةٌ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَلَا يَجُوزُ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَلَا بِمَا يَنْبُتُ مِنَ الْأَرْضِ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأبو حنيفة وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ إِنَّهَا تَجُوزُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ مَنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ بِمَا يَنْبُتُ مِنَ الْأَرْضِ مَنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَاسْتَدَلَّ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إِجَارَتِهَا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ الله فقال يابن خَدِيجٍ مَاذَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَالَ رَافِعٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَمِعْتُ عَمَّيَّ وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا يُحَدِّثَانِ أَهْلَ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى، ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أحدث في ذلك شيئاً لم يكن يَعْلَمْهُ، فَتَرَكَ كِرَاءَ الْأَرْضِ.

وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدٍ أَبِي شُجَاعٍ عَنْ عِيسَى بْنِ سَهْلٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ إِنِّي لَيَتِيمٌ فِي حِجْرِ رافعٍ، وَحَجَجْتُ مَعَهُ فَجَاءَهُ أَخِي عِمْرَانُ بْنُ سَهْلٍ فَقَالَ أَكْرَيْنَا أَرْضَنَا فُلَانَةً بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَقَالَ دَعْهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ.

قَالَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَجُزْ إِجَارَةُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ لِكَوْنِهِمَا أَصْلًا لِكُلِّ ثَمَرٍ فَكَذَلِكَ الْأَرْضُ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ.

فَصْلٌ

: وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ إِجَارَتَهَا بِالطَّعَامِ وَبِمَا يَنْبُتُ مِنَ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ، بِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أرضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ ليزرعها أخاه، ولا يكاريها بثلثٍ ولا ربعٍ وَلَا بطعامٍ مُسَمًّى " وَرَوَى طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَقَالَ إِنَمَا يَزْرَعُ ثلاثةٌ، رجلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا، ورجلٌ مَنَحَ أَرْضًا، فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنِحَ، ورجلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بذهبٍ أَوْ فضةٍ.

وَلِأَنَّ اسْتِكْرَاءَ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا بَاطِلٌ كَالْمُخَابَرَةِ.

وَدَلِيلُنَا عَلَى مَالِكٍ رِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلَكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلَكُ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَضْمُونٌ مَعْلُومٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَكَانَ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ مَعَ شَبِيهِهِ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ، فَصَارَ هَذَا تَفْسِيرًا لِمَا أَجْمَلَهُ مِنَ النَّهْيِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>