لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ الْمُسَمَّى وَبَعْدَ الدُّخُولِ جَمِيعُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، وبينته شَاهِدَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَلَى الرَّضَاعِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَهْرٌ، وَعَلَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَهْرُ الْمِثْلِ يُسْتَحَقُّ بِالْإِصَابَةِ دُونَ الْمُسَمَّى، لِفَسَادِ الْعَقْدِ.
فَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِالرَّضَاعِ أُمَّهَاتُهُ أَوْ بَنَاتُهُ لَمْ يُقْبَلْنَ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ مَرْدُودَةٌ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ أُمُّ الزَّوْجَةِ أَوْ بِنْتُهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهَا، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ.
وَإِنْ كَانَ مُدَّعِي الرَّضَاعَةِ الزَّوْجَةَ، وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي الْفُرْقَةِ إلا ببنية لأنها لا تملك الفرقة، فإن أقامت بينة بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ بِالرَّضَاعِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا، وَوَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَسَقَطَ مَهْرُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَلَوْ كَانَ فِي شُهُودِهَا أُمُّهَا أَوْ بِنْتُهَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ، وَلَوْ كَانَ فيهن أو الزَّوْجِ أَوْ بِنْتُهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَشْهَدَ الْبِنْتُ عَلَى رَضَاعِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَالرَّضَاعُ يَكُونُ فِي الصِّغَرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَهُ الْوَلَدُ، قِيلَ: لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ كَبِيرًا لَهُ وَلَدٌ يَكُونَ الْآخَرُ صَغِيرًا فَيَرْتَفِعَ مِنْ أُمِّ الْكَبِيرِ وَتَشْهَدَهُ بِنْتُهُ فتشهد بالرضاع له وعليه.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الَّتِي أَرْضَعَتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَا عَلَيْهَا مَا ترد به شهادتهما (قال المزني) رحمه الله وكيف تجوز شهادتهما على فعلها ولا تجوز شهادة أمها وأمهاتها وبناتها فهن في شهادتهن على فعلها أجوز في القياس من شهادتها على فعل نفسها ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ بِالرَّضَاعِ فَمَقْبُولَةٌ مَا لَمْ تَدَّعِ بِهَا أُجْرَةَ الرَّضَاعِ، لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِهَا نَفْعًا، وَلَا تَسْتَدْفِعُ بِهَا ضَرَرًا، فَزَالَتِ التُّهْمَةُ عَنْهَا فَقُبِلَتْ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهِيَ تَشْهَدُ عَلَى فِعْلِهَا وَشَهَادَةُ الْفَاعِلِ عَلَى فِعْلِهِ مَرْدُودَةٌ كَالْحَاكِمِ إِذَا شَهِدَ بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَالْقَاسِمِ إِذَا شَهِدَ بِمَا قَسَّمَهُ.
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَاكِمَ وَالْقَاسِمَ تَفَرَّدَا بِالْفِعْلِ فَلَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُمَا بِهِ وَالْمُرْضِعَةُ إِمَّا أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَلَدُ بِالرَّضَاعِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَإِمَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ فَيَكُونَ الْوَلَدُ هُوَ الْمُرْتَضِعَ فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى مُجَرَّدِ فِعْلِهَا.