فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ، لِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِحُجَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَيُجَوِّزُ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ أَصْلٌ مُتَّبَعٌ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ فَهُمْ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَنْ نَفَى الْقِيَاسَ وَعَمِلَ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ وَعَدَلَ عَمَّا لَا نَصَّ فِيهِ إِلَى أَقَاوِيلِ سَلَفِهِمْ وَجَعَلُوهَا كَالنَّصِّ فِي الْعَمَلِ بِهَا. مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ هَؤُلَاءِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِتَقْلِيدِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ.
وَالثَّانِي: لِتَرْكِهِمْ أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ: مَنْ يَعْدِلُ عِنْدَ عَدَمِ النُّصُوصِ إِلَى فَحْوَى الْكَلَامِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ وَسَلْكِ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَيَعْدِلُ عَنْ تَعْلِيلِ النُّصُوصِ بِمَعَانِيهَا كَأَهْلِ الظَّاهِرِ، فَفِي جَوَازِ تَقْلِيدِهِمُ الْقَضَاءَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مِنْ تَرْكِ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ؛ لأنه يَعْتَبِرُونَ وَاضِحَ الْمَعَانِي وَإِنْ عَدَلُوا عَنْ خَفِيِّ الْقِيَاسِ.
(فَصْلٌ: تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ الْقَضَاءَ مَعَ وُجُودِ الأفضل)
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ السَّبْعَةِ صَحَّ تَقْلِيدُ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ جَائِزٌ فِي الْقَضَاءِ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ فِي الْإِمَامَةِ، فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ، كَالْقَضَاءِ وَمَنَعَ مِنْهُ آخَرُونَ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ فِي وَاحِدٍ وَالْقَضَاءَ فِي عَدَدٍ.
وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَدْرِكُ خَطَأَ الْقُضَاةِ وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ من يستدرك خطأه.
(حكم القاضي بغير مذهبه)
فإذا تقلد القضاة بِوُجُودِ الشُّرُوطِ السَّبْعَةِ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ.
وَإِنِ اعْتَزَى إِلَى مَذْهَبٍ مِنْ مَذَاهِبِ أَئِمَّةِ الْوَقْتِ كَمَنْ أَخَذَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَلِّدَ صَاحِبَ مَذْهَبِهِ، وَعَمِلَ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَ مَنِ اعْتَزَى عَلَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ فِي حَالَةٍ إِلَى الْعَمَلِ فِيهَا بِقَوْلِ أَبِي