للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَوْلَى، فَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الْآثَارِ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ وَقَالَ أبو حنيفة وَالْمُزَنِيُّ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهَا تَعَلُّقًا بِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ، وَقَالَ أَنَسٌ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَحْرَمَا بِالْيَمَنِ، وَقَالَ إِهْلَالًا كِإِهْلَالِ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قَالَ: سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ وَرَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال وهو بالعقيرة: أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي رَكْعَتَيْنِ وَقُلْ عمرةٌ فِي حجةٍ قَالُوا: فَإِذَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَنَ وَهُوَ لَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ قَالُوا: وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِلصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ وَقَدْ قَرَنَ: هُدِيتَ لِسُّنَّةِ نَبِيِّكَ قَالُوا: وَلِأَنَّ فِي القران تعجيل العملين، والإتيان بهما من أَشْرَفِ الزَّمَانَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ إِفْرَادِهِمَا فِي زَمَانَيْنِ أَحَدُهُمَا أَشْرَفُ مِنَ الْآخَرِ قَالُوا: وَلِأَنَّ في القران زيادة، وهو دوم نُسُكٍ لَا جُبْرَانٌ وَنَقْصٌ لِأَمْرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: جَوَازُ أَكْلِهِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) {الحج: ٣٦) وَلَوْ كَانَ دَمُ جُبْرَانٍ لَمَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ لِجَزَاءِ الصَّيْدِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا دَخَلَهُ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ الْجُبْرَانِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ إِلَّا بِعُذْرٍ كَالْحَلْقِ وَاللِّبَاسِ، فَلَمَّا جَازَ لَهُ الْقِرَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عُلِّقَ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الْمُتَعَلِّقَ بِهِ دَمُ نُسُكٍ.

فَصْلٌ

: وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ التَّمَتُّعُ أَفَضَلُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَمَتَّعَ بِالْحَجِّ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ النَّاسِ قَدْ حَلُّوا مِنْ عُمْرَتِهِمْ وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ فَقَالَ: إِنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي فَلَا أُحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ فَلَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْ سَبَبِ بَقَائِهِ عَلَى عُمْرَتِهِ أَخْبَرَهَا عَنِ السَّبَبِ الَّذِي لَمْ يَتَحَلَّلْ لِأَجْلِهِ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>