للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهَا قَبْلَ عَلْفِهَا نُظِرَ فِي رَائِحَةِ لَحْمِهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِأَكْلِ النَّجَاسَةِ كَانَ حَلَالًا وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَسْتَوْعِبْ رَائِحَةَ تِلْكَ النَّجَاسَةِ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً قَدِ اسْتَوْعَبَتْ رَائِحَةَ تِلْكَ النَّجَاسَةِ أَوْ قَارَبَهَا، فَفِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَحَدُهُمَا: مُبَاحٌ، لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلٍ مَأْكُولٍ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِنَ الْخَبَائِثِ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْجَدْيِ إِذَا ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ حَتَّى نَبَتَ لَهُ لَحْمُهُ كَانَتْ إِبَاحَةُ أَكْلِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْمُجَثَّمَةُ الَّتِي رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ النَّهْيَ عَنْهَا، فَهِيَ الَّتِي جَثَمَتْ عَلَى الْمَوْتِ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الصَّيْدِ الْجَاثِمِ وَالْمَجْثُومِ، فَالْجَاثِمُ الْمُمْتَنِعُ، وَيَحِلُّ أَكْلُهُ إِذَا جَثَمَ بِحَدِيدَةٍ، وَالْمَجْثُومُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلَّا بِذَكَاةٍ.

وَالْمَصْبُورَةُ: هِيَ الَّتِي حُبِسَتْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى مَاتَتْ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهَا فِي مُمْتَنَعٍ، وَلَا مَقْدُورٍ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْمُخْتَطَفَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا اخْتَطَفَهُ السَّبُعُ مِنَ الْحَيَوَانِ أَكْلُهُ حَرَامٌ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.

وَالثَّانِي: إنَّهَا النُّهْبَةُ لِاخْتِطَافِهَا بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ سُمِّي الْخُطَّافُ لِسُرْعَتِهِ قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ:

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَتَّخِذُوا ذَا الرُّوحِ غَرَضًا " وَهُوَ رَمْيُ الْحَيَوَانِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ حَرُمَ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُمْتَنِعٍ حَلَّ أَكْلُهُ، إِنْ كَانَ بِمُحَدَّدٍ، وحرم إِنْ كَانَ بِمُثْقَلٍ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا أَكْلُ الْأَجِنَّةِ، وَهُوَ أَنْ تُذْبَحَ الْبَهِيمَةُ، فَيُوجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا مَقْدُورًا عَلَى ذَكَاتِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إِلَّا بِالذَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ مَيْتًا أَوْ حَيًّا قَصُرَتْ مُدَّةُ حَيَّاتِهِ عَنْ ذَكَاتِهِ، حَلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاةِ أُمِّهُ، وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ. فَحَرَّمَ أَكْلَهُ احْتِجَاجًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) {المائدة: ٣) . وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُحلت لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ، الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ "، وَهَذِهِ مَيْتَةٌ ثَالِثَةٌ: يُوجِبُ الْخَبَرُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً، وَلِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُذَكَّى، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ كَالْأُمِّ، وَلِأَنَّهُ ذَبْحٌ وَاحِدٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةُ الِاثْنَيْنِ كَمَا لَوْ خَرَجَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَلِأَنَّ مَا كَانَ مَوْتُهُ " ذَكَاةً " فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ كَانَ مَوْتُهُ ذَكَاةً في المقدور عليه، وما لم يكن قوته ذَكَاةً فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَكَاةً فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ كَالصَّيْدِ وَالنَّعَمِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَوْتُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجِنَّةِ ذَكَاةً لَمْ يَكُنْ مَوْتُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ذكاة،

<<  <  ج: ص:  >  >>