وَالثَّانِي: أَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَسْلَمَا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَزَوْجَاتُهُمَا بِمَكَّةَ، فَأَقَرَّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ بينهما، أو لا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فنكح زوجة، وله دَارِ الْإِسْلَامِ أُخْرَى لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ عَادَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً فِي فَسْخِ النِّكَاحِ.
وَقِيَاسٌ آخَرُ: أَنَّ النِّكَاحَ مِلْكٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ بِحُدُوثِ الرِّقِّ، كَالْأَمْوَالِ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْأَمْوَالِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالنِّكَاحُ مُخْتَصٌّ بِالِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ منفعة ولك من هَذَا التَّعْلِيلِ قِيَاسٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِحُدُوثِ الرِّقِّ، كَمَا لَوْ آجَرَهُ الْحَرْبِيُّ نَفْسَهُ ثُمَّ اسْتُرِقَّ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِسَبْيِ هَوَازِنَ: هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى شِرْكِهِمْ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ إِسْلَامُ وَافِدِهِمْ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بَيَانُ مَنَاكِحِهِمْ قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعِ الرِّقُّ مِنَ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لَمْ يمنع من استدامته فمن وجهين: أحدهما: انْتِقَاضهُ بِالْخُلْعِ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنَ ابْتِدَائِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حُدُوثَ الرِّقِّ لَا يُتَصَوَّرُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَيُتَصَوَّرُ فِي أثنائه فلم يصح الجمع بين بَيْنَ مُمْكِنٍ وَمُمْتَنِعٍ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي النِّكَاحِ حُدُوثُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الرِّقِّ، كَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ حُدُوثُ الرِّقِّ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، فَهُوَ أَنَّ حُدُوثَ الْحُرِّيَّةِ كَمَالٌ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي النِّكَاحِ وَحُدُوثُ الرِّقِّ نَقْصٌ، فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي النِّكَاحِ.
(فَصْلٌ)
: وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ الْحَرْبِيَّانِ مَمْلُوكَيْنِ فَسُبِيَا، أَوْ أَحَدُهُمَا فَفِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَبْطُلُ، وَيَكُونَانِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ رِقَّهُمَا مُتَقَدِّمٌ، وَلَيْسَ بِحَادِثٍ فَصَارَ انْتِقَالُ مِلْكِهِمَا بِالسَّبْيِ، كَانْتِقَالِهِ بِالْبَيْعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ الثَّانِيَ أَثْبَتُ مِنَ الرِّقِّ الْأَوَّلِ لِثُبُوتٍ الْحَادِثِ بِالْإِسْلَامِ، وَثُبُوتِ الْأَوَّلِ بِالشِّرْكِ فَتَعَلَّقَ حُكْمُ الرِّقِّ بِأَثْبَتِهِمَا، وَكَانَ الْأَوَّلُ دَاخِلًا فيه.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ سَبْعَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وَهُوَ عِنْدَنَا اسْتِغْنَاءُ الْوَلَدِ عَنْهَا وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ ".