قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي أَنَّ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى ثَابِتٌ وَثُبُوتُهُ يَقْتَضِي إِبَانَةَ أَحْكَامِهِمْ فِيهِ وَذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ:
فَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي ذِي الْقُرْبَى مَنْ هُمْ؟ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ، وَجَمِيعُهُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ لِعَبْدِ مَنَافٍ مَعَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ خَامِسٌ اسْمُهُ عَمْرٌو وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ فَأَمَّا هَاشِمٌ فَهُوَ جَدُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ؛ فَهَاشِمٌ فِي عَمُودِ الشَّرَفِ الَّذِي تَعَدَّى شَرَفُهُ بِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أُخْوَتِهِ، وَالْمُطَّلِبُ أَخُوهُ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ وَلَدِهُ ثُمَّ عَبْدُ شَمْسٍ أَخُوهُمَا وَعُثْمَانُ مِنْ وَلَدِهِ ثُمَّ نَوْفَلٌ أَخُوهُمْ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ مِنْ ولده؛ فاختص بسهم ذي القربة بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَمْ يَفْتَرِقُوا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ " يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَنَاصِرِينَ بِحِلْفٍ عَقَدُوهُ بَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ؛ وَلِهَذَا الْحَلِفِ دَخَلَ بَنُو الْمُطَّلِبِ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ الشِّعْبَ بِمَكَّةَ حِينَ دَخَلَهُ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جبير بن مطعم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَقْسِمْ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا كَمَا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ.
فَصْلٌ:
وَالْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَبَيْنَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ وَقَالَ أبو حنيفة: لَا حَقَّ لِغَنِيِّهِمْ فِيهِ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَى مِنْهُ الْعَبَّاسَ وَكَانَ لِيَسَارِهِ يَعُولُ عَامَّةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا اسْتُحِقَّ بِالْقَرَابَةِ اسْتَوَى فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ شَاقَقَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوْ لَمْ يُشَاقِقْهُ فِي أَنَّهُمْ سَوَاءٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي سَهْمِهِمْ إِلَّا أَنَّ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ أَخَذَ سَهْمَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ خَارِجًا عَنْ حَقِّهِ فِي الْخُمُسِ.
وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَخَذَ مِنَ الْخُمُسِ سَهْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَلِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّ بِالْقَرَابَةِ اشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَالْمِيرَاثِ وَخَالَفَ الْعَقْلَ الَّذِي يَخْتَصُّ الرِّجَالُ بِتَحَمُّلِهِ دُونَ النِّسَاءِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ مَنْ ذَبَّ عَنِ الْقَاتِلِ مُنِعَ مِنْهُ بِالسَّيْفِ، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَسَهْمُ ذِي الْقُرْبَى لِأَجْلِ النَّسَبِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَإِذَا ثَبَتَ اشْتِرَاكُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِيهِ فُضِّلَ الذُّكُورُ عَلَى الْإِنَاثِ وَكَانَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ كَالْمِيرَاثِ.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: يُسَوَّى بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَالْوَصَايَا لِلْقَرَابَةِ يُسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ سَهْمِهِمْ بِالْمِيرَاثِ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِهِ بِالْوَصَايَا من وجهين:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute