للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إِنَّ سُقُوطَ حَقِّهِ مِنَ الصَّفِيِّ بِمَوْتِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ مِنَ الصَّفِّيِّ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَا يَكُونُ ثَابِتًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ مِنَ الْغَنِيمَةِ مَا شَاءَ بِاخْتِيَارِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِلصَّفِيِّ مَعْدُومٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَسَقَطَ بِخِلَافِ غيره.

وأما الجواب عن استتدلال أبي حنيفة فِي سُقُوطِ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى جَمِيعِ الْخُمُسِ وَلَيْسَ هُوَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ سَهْمَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السبيل يستحق بالفقر.

والثاني: أنه سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى لَيْسَ هُوَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ وَمَا كَانَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ استدلاله بحديث علي (عليه السلام) أَنَّهُ رَدَّ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى لِغِنَاهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اخْتَارَ تَرْكَ حَقِّهِ وَمَنْ يَتْرُكُ حَقَّهُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى سُقُوطِ اسْتِحْقَاقِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِخَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ عِنْدَ اسْتِغْنَائِهِمْ فَكَانَ حَقُّهُ ثَابِتًا بَاقِيًا، وَهُوَ أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّدَقَاتِ مَعَ جَوَازِ أَنْ يُدْفَعَ مِنَ الصَّدَقَاتِ إِلَى أَغْنِيَاءِ الْعَامِلِينَ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَالْغَارِمِينَ فَهُوَ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُوَاسَاةٌ؛ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْفُقَرَاءُ أَحَقَّ بِهَا، وَالْخُمُسُ يُمْلَكُ مِنْ غَنَائِمِ الْمُشْرِكِينَ قَهْرًا لَا بِالْمُوَاسَاةِ؛ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهِ الْفُقَرَاءُ وَالْأَغْنِيَاءُ كالْغَانِمِينَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قياسهم على الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ فَهُوَ أَنَّ مَا أُخِذَ بِاسْمِ الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْفَقْرُ فِيهِ شَرْطًا، وَمَا أُخِذَ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ كَانَتِ الْقَرَابَةُ شَرْطًا فِيهِ إِذَا وُجِدَتْ وَلَمْ يَكُنِ الْفَقْرُ شَرْطًا وَمَا أُخِذَ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ كَانَتِ الْقَرَابَةُ كالميراث والله أعلم. (قال الشافعي) : " فيعطى سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى فِي ذِي الْقُرْبَى حَيْثُ كَانُوا وَلَا يُفَضَّلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ حَضَرَ الْقِتَالَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ إِلَّا سَهْمَهُ فِي الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ الْعَامَّةِ وَلَا فَقِيرٌ عَلَى غَنِيٍّ وَيُعْطَى الرَّجُلُ سَهْمَيْنِ وَالْمَرْأَةُ سَهْمًا لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا باسم القرابة فإن قيل فقد أعطى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعضهم مائة وسق وبعضهم أقل قيل لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ ذَا وَلَدٍ فَإِذَا أَعْطَاهُ حَظَّهُ وَحَظَّ غَيْرِهِ فَقَدْ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِنْ غيره والدلالة على صحة ما حكيت من التسوية أن كل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا في ذلك وإن باسم القرابة أعطوا وإن حديث جبير بن مطعم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قسم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي المطلب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>