مَالٌ كَثِيرٌ فَعَزَلَ حَقَّنَا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقُلْتُ: لَنَا عَنْهُ الْعَامَ غَنَاءٌ، وَبِالْمُسْلِمِينَ الْآنَ حَاجَةٌ فَارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ، فَلَقِيتُ الْعَبَّاسَ بَعْدَ مَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَقَالَ يَا عَلِيُّ: حَرَمْتَنَا لَا تُرَدُّ عَلَيْنَا أَبَدًا، وكان راجلا دَاهِيًا فَلَمْ يَدْعُنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ.
فَدَلَّ قَوْلُ عَلِيٍّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنَا حَقَّنَا عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ يَخْتَصُّ بِهِمْ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْفَقْرِ الَّذِي هُوَ فِي غَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَكُونُ إِجْمَاعًا مُنْعَقِدًا فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ عيينة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيتُ عليا عليه السلام عند أحجار الركب فَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي حَقِّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنَ الْخُمُسِ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَخْمَاسٌ وَمَا كَانَ فَقَدْ أَوْفَانَاهُ، وَأَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِينَا حَتَّى جاءه مال السوس والأهواز أو قال أَخْمَاسٌ وَمَا كَانَ فَقَدْ أَوْفَانَاهُ، وَأَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِينَا حَتَّى جَاءَهُ مَالُ السُّوسِ وَالْأَهْوَازِ أَوْ قَالَ مَالُ فَارِسَ - الشَّافِعِيُّ يَشُكُّ -، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ بِالْمُسْلِمِينَ خَلَّةً فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ فَجَعَلْنَاهُ فِي خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَأْتِيَنَا مَالٌ فَأُوَفِّيَكُمْ حَقَّكُمْ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ: لا تطعمهم فِي حَقِّنَا، فَقُلْتُ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَلَسْنَا أَحَقَّ مَنْ أَجَابَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَدَفَعَ خَلَّةَ الْمُسْلِمِينَ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَالٌ فَيَقْضِينَاهُ. فَدَلَّ اسْتِنْزَالُ عُمَرَ لَهُمْ ثَمَنَهُ بِخَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَحِقُّوهُ بِالْفَقْرِ الَّذِي قَدْ شَارَكُوا فِيهِ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ لَا يَسْقُطُ بِمُطَالَبَتِهِمْ وَلَا يُؤَخَّرُ لِفَقْرِهِمْ، وَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ قَضَاءَ مَا أُخِّرُوهُ مِنْ حَقِّهِمْ.
وَرَوَى زيد بْنُ هُرْمُزَ أَنَّ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ حِينَ حَجَّ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَقُولُ لِمَنْ تَرَاهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِقُرْبَى رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَسَمَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَدْ كَانَ عُمَرُ عَوَّضَ مِنْ ذَلِكَ عِوَضًا رَأَيْنَاهُ دُونَ حَقِّنَا فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ، وَأَبَيْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَحَدُ أَصْنَافِ أَهْلِ الْخُمُسِ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُمْ مِنْهُ كَسَائِرِ الْأَصْنَافِ.
وَلِأَنَّ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ فِي جميع الأحوال ثبت لهم سهم في خمس الخمس كالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَلِأَنَّهُمْ عُوِّضُوا عَنِ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ بِخُمُسِ الْخُمُسِ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أو ليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ النَّاسِ، فَلَمَّا كَانَ تَحْرِيمُ الصَّدَقَاتِ عَلَيْهِمْ ثَابِتًا لَا يَزُولُ؛ كَانَ مَا عُوِّضُوهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ ثَابِتًا لَهُمْ لَا يَزُولُ.
وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ ما تميز به ذوو الْقُرْبَى فِي الْأَمْوَالِ اسْتَلْزَمَ ثُبُوتَهُ قِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّدَقَاتِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَمْ يَكُنْ مَوْرُوثًا كَانَ سَاقِطًا، فَهُوَ أَنَّ الْمِيرَاثَ إِذَا انْتَفَى عَنْهُ رُدَّ إِلَى مَا قَدْ أُقِيمَ مَقَامَهُ مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ لِقَوْمِهِ فِي حَقِّهِ مَقَامَ الْمِيرَاثِ فِي حَقِّ غيره، فوجب أن يكون ذَلِكَ مَصْرِفُ مَالِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute