وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ: (السَّائِبَةُ لِيَوْمِهَا) ، فَهُوَ مُجْمَلٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَرْعٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى مُقْتَضَى السُّنَّةِ أَوْلَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَالِمٍ، فَقَدْ حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِدَفْعِ مِيرَاثِهِ إِلَى مَوْلَاتِهِ، فَلَمَّا امْتَنَعَتْ مِنْ مِيرَاثِهِ لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، وَلَيْسَ بِحَقٍّ عَلَيْهَا، فَوَضَعَهُ حَيْثُ رَأَى من الوجوه والمصالح.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَمَنْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ فَلَهُ وَلَاؤُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْهُمْ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى مَنْ أَعْتَقَ والمعتق السائبة معتق وهو أكثر من هذا في معنى المعتقين فكيف لا يكون له ولاؤه (قال) فالمعتق سائبة قد أنفذ الله له العتق لأنه طاعة وأبطل الشرط بأن لا ولاء له لانه معصية وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الولاء لمن أَعْتَقَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ كُلُّ عِتْقٍ نَفَذَ عَلَى مِلْكٍ لِلرِّقِّ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لِمَنْ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ، سَوَاءٌ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ، بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِغَيْرِ قَوْلِهِ وَغَيْرِ فِعْلِهِ، فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، بِعِوَضٍ، أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَالْمُعْتِقُ بِاخْتِيَارِهِ أَنْ يُبَاشِرَ عِتْقَ عَبْدٍ قَدِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ.
وَالْعِتْقُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَنْ يَعْتِقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ، فَيَسْرِي إِلَى جَمِيعِهِ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَهُ جَمِيعُ وَلَائِهِ أَوْ يَرِثُ أَحَدَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ وَالِدَيْهِ أَوْ مَوْلُودَيْهِ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَعِتْقُ الْحَمْلِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَعِتْقُ أَوْلَادِ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُمْ.
وَأَمَّا الْعِتْقُ بِالْفِعْلِ، فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الشِّرَاءِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْإِيلَادِ إِذَا مَاتَ، وَلَهُ وَلَاؤُهَا.
وَأَمَّا الْعِتْقُ بِالْمُعَاوَضَةِ، فَعِتْقُ الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَى مِلْكٍ، وَإِنْ وَصَلَ فِيهِ إِلَى الْعِوَضِ عَنْ رِقِّهِ، لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ كَسْبِهِ.
رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ بِرَجُلٍ يُكَاتِبُ عَبْدًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (اشْتَرِطْ وَلَاءَهُ) يَعْنِي أَعْلِمْهُ، فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ وَلَائِهِ، فَلَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتِبُ عَبْدًا، وَعَتَقَ الثَّانِي ثُمَّ عَتَقَ الْأَوَّلُ، فَوَلَاءُ الْأَوَّلِ لِسَيِّدِهِ، وَفِي وَلَاءِ الثَّانِي قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلسَّيِّدِ.
وَالثَّانِي: لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ.
فَأَمَّا الْعِتْقُ بِالْمَوْتِ، فَعِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُدَبَّرِ وَلَهُ وَلَاؤُهُمَا لِعِتْقِهِمَا عَلَى مِلْكِهِ.