أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَهَا عَلَى مَا شَرَطَهُ فِي يَوْمِ عِتْقِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَا الْأَجْرَ دُونَ الْوَلَاءِ.
وَبِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ: أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَعْتَقَتْهُ لَيْلَى بِنْتُ يَعَارَ زَوْجَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ سَائِبَةً، فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَخَلَّفَ بِنْتًا، وَمَوْلَاتَهُ لَيْلَى زَوْجَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَدَفَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى بِنْتِهِ النِّصْفَ، وَعَرَضَ الْبَاقِيَ عَلَى مَوْلَاتِهِ، فَقَالَتْ: لَا أَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ سَالِمٍ، فَإِنِّي جَعَلْتُهُ سَائِبَةً لِلَّهِ، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} [المائدة: ١٠٣] فَلَمَّا امْتَنَعَ مِنْ حُكْمِ السَّائِبَةِ فِي الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْعِتْقِ كَانَ الْمَنْعُ فِي الْآدَمِيِّينَ مِمَّنْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْعِتْقِ أَوْلَى.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ) وَفِيهِ دَلِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ لَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ بِالشَّرْطِ؛ كَذَلِكَ الْوَلَاءُ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: (وَلَا يُوهَبُ) وَالسَّائِبَةُ هِبَةُ الْوَلَاءِ، وَلِأَنَّ مَوَالِيَ بَرِيرَةَ بَاعُوهَا عَلَى عَائِشَةَ رِضْوَانُ الله عنها، وَاشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ وَلَاؤُهَا إِذَا أُعْتِقَتْ، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشُرُوطُهُ أَوْثَقُ، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) . فَأَثْبَتَ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ وَأَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ طَارِقًا أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ سَوَائِبَ، وَكَانُوا سِتَّةً، وَقِيلَ عَشْرَةً فَمَاتُوا كُلُّهُمْ بَعْدَ مَوْتِ طَارِقٍ، وَخَلَّفُوا مَالًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَقَضَى بِهِ لِوَرَثَةِ طَارِقٍ، فَامْتَنَعُوا مِنْ أَخْذِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَرْجِعُوهُ إِلَى قَوْمٍ مِثْلِهِمْ، فَأَبَانَ بِهَذَا الْقَضَاءِ أَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ فِي عِتْقِ السَّائِبَةِ. وَرَوَى قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّ أَصْحَابَ السَّوَائِبِ شَكَوْا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالُوا: إِمَّا أَنْ تَجْعَلَ الْعَقْلَ عَلَيْنَا، وَالْمِيرَاثَ لَنَا، وَإِمَّا أَن لَا يَكُون لَنَا مِيرَاثٌ، وَلَا عَلَيْنَا عَقْلٌ، فَقَضَى عُمَرُ لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ فِي الْعِتْقِ كَالرَّجْعَةِ فِي الطَّلَاقِ، فَلَمَّا كَانَ لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَن لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَاسْتَحَقَّ الرَّجْعَةَ، وَجَبَ مِثْلُهُ فِي عِتْقِ السَّائِبَةِ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ، وَيُسْتَحَقَّ الْوَلَاءُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) فَهُوَ مَا وَصَلَهُ بِهِ إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وهذا منه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute