للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ مَأْمُونٌ فِي الْجُمْعَةِ، عَلَى أَنَّ الْجُمْعَةَ قَدِ اسْتَوَى فِي وُجُوبِهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْحُدُودِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ جُمُعَتُهُ أَوْلَى دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ: فَغَلَطٌ، لِأَنَّنَا قَدَّمْنَا جُمُعَتَهُ تَرْجِيحًا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، فَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ إِتْيَانَهَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ " خَلْفَ كُلِّ أَمِيرٍ " أَرَادَ بِهِ: الْإِمَامَ، وَقَوْلُهُ " أَوْ مَأْمُورٍ " أَرَادَ بِهِ مَنْ يُقِيمُهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ مُتَغَلِّبٍ عَلَى بَلَدٍ " أَرَادَ بِهِ: الْخَارِجِيَّ وَمَنْ تَغَلَّبَ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ، وَقَوْلُهُ " وَغَيْرِ أَمِيرٍ " أَرَادَ بِهِ: الْعَامِّيَّ الَّذِي لَيْسَ بِإِمَامٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْ إِمَامٍ ولا متغلب عليه.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا الْجُمْعَةُ خَلْفَ الْعَبْدِ فَجَائِزٌ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَصِحُّ الْجُمْعَةُ خَلْفَ الْعَبْدِ لِعَدَمِ كَمَالِهِ. وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمْعَةَ وَالصَّلَوَاتِ بِالرَّبَذَةِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ إِمَامَتَهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لِلرِّجَالِ فِي غَيْرِ الْجُمْعَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لَهُمْ فِي الْجُمْعَةِ كَالْحُرِّ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فَفِي جَوَازِ الِائْتِمَامِ بِهِ فِي الْجُمْعَةِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ الِائْتِمَامُ بِهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يؤمكم أقرأكم ".

وَالثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لَا يَجُوزُ الِائْتِمَامُ بِهِ فِي الْجُمْعَةِ وَإِنْ جَازَتْ فِي غَيْرِ الْجُمْعَةِ، لِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ لَهَا، فَلَمْ تَصِحَّ إِقَامَتُهَا إِلَّا بِكَامِلٍ يَلْزَمُهُ الْفَرْضُ. فَإِذَا جَازَتْ إِمَامَةُ الْعَبْدِ وَإِمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَمْ تَنْعَقِدِ الْجُمْعَةُ إِلَّا بِأَرْبَعِينَ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ سِوَى الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ حُرًّا بَالِغًا انْعَقَدَتْ بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا مَعَ الْإِمَامِ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا تَصِحُّ الْجُمْعَةُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْصُوصُهُ في جميع كتبه خلاف هذا.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يُجَمَّعُ فِي مِصْرٍ وَإِنْ عَظُمَ وَكَثُرَتْ مَسَاجِدُهُ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مِنْهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. لَا تَنْعَقِدُ جُمْعَتَانِ فِي مِصْرٍ، وَلَا يَجُوزُ إِقَامَتُهَا إِلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وأبي حنيفة.

وَقَالَ أبو يوسف: إِذَا كَانَ الْبَلَدُ حَارَتَيْنِ انْعَقَدَتْ فِيهِ جُمْعَتَانِ. وَقَالَ محمد بن الحسن: تَنْعَقِدُ جُمْعَتَانِ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَلَا تَنْعَقِدُ ثَلَاثُ جُمَعٍ. وَأَجْرَوْا ذَلِكَ مُجْرَى صَلَاةِ الْعِيدِ. وهذا غلط.

<<  <  ج: ص:  >  >>