للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرْضَعِ، وَلِذَلِكَ رُجِعَ إِلَى الْقَافَةِ فِي الْمَوْلُودِ، وَلَمْ يُرْجَعْ إِلَيْهِمْ فِي الْمُرْضَعِ.

قِيلَ: قَدْ يُحْدِثُ الرَّضَاعُ مِنْ شَبَهِ الْأَخْلَاقِ مِثْلَ مَا تُحْدِثُهُ الْوِلَادَةُ مِنْ شَبَهِ الْأَجْسَامِ وَالصَّوْتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تَسْتَرْضِعُوا الْحَمْقَى فَإِنَّ اللَّبَنَ يُغَذِّي ".

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ وَأَخْوَالِي بَنُو زُهْرَةَ وَارْتُضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ ".

وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا فَقَالَ أَنْتَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ قَالَ مِنْهُمْ رَضَاعًا لَا نَسَبًا فَأَضَافَهُ إِلَيْهِمْ بِشَبَهِ الْأَخْلَاقِ كَمَا تُضِيفُهُ الْقَافَةُ بِشَبَهِ الْأَجْسَامِ، وَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى الْقَافَةِ فِي إِلْحَاقِ الْمُرْضَعِ، وَإِنْ عُوِّلَ عَلَيْهِمْ فِي إِلْحَاقِ الْمَوْلُودِ، لِأَنَّ شَبَهَ الْأَجْسَامِ وَالصُّوَرِ أَقْوَى بِظُهُورِهِ، وَشَبَهَ الْأَخْلَاقِ وَالشِّيَمِ أَضْعَفُ لَحْقًا بِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ أُبُوَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الِانْتِسَابِ إِلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْأَنْسَابَ تَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ بِالْفِرَاشِ ثُمَّ الْقَافَةِ ثُمَّ الِانْتِسَابِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الرَّضَاعِ فِرَاشٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِالْقَافَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِالِانْتِسَابِ وَإِنْ ثَبَتَ بِهِ النَّسَبُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّسَبَ لَا يَقَعُ فِيهِ اشْتِرَاكٌ فَجَازَ أَنْ يُعَوَّلَ فِيهِ عَلَى الطَّبْعِ الْحَادِثِ وَيَقَعُ فِي الرَّضَاعِ اشْتِرَاكٌ فَعُدِمَ فِيهِ الطَّبْعُ الْحَادِثُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ امْتِزَاجَ النَّسَبِ مَوْجُودٌ مَعَ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَالرَّضَاعَ حَادِثٌ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْخَلْقِ وَاسْتِقْرَارِ الْخَلْقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ مَاتَ فَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَنْكِحَ ابْنَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَكُونَ مَحْرَمًا لَهَا وَلَوْ قَالُوا الْمَوْلُودُ هُوَ ابْنُهُمَا جُبِرَ إِذَا بَلَغَ على الانتساب إلى أحداهما وَتَنْقَطِعُ أُبُوَّةُ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ مَعْتُوهًا لَمْ يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَمُوتَ وَلَهُ وَلَدٌ فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الِانْتِسَابِ إِلَى أَحَدِهِمَا أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ فَيَكُونُ مِيرَاثُهُ مَوْقُوفًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا حُدُوثُ الْمَوْتِ بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ فَالْكَلَامُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِفَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: نَسَبُ الْمَوْلُودِ.

وَالثَّانِي: أُبُوَّةُ الْمُرْضَعِ.

فَأَمَّا نَسَبُ الْمَوْلُودِ، فَالْكَلَامُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِفَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: حُكْمُ الْقِيَافَةِ.

وَالثَّانِي: حكم الانتساب.

<<  <  ج: ص:  >  >>