قَدْ بِعْتُكَ بِهَا، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، حَتَّى يَعُودَ الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ: قَدِ اشْتَرَيْتُهُ، فَيَكُونُ هَذَا قبولا، كما لَوِ ابْتَدَأَ الْبَائِعُ فَقَالَ: اشترِ عَبْدِي بِأَلْفٍ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَعْنَى اللَّفْظَتَيْنِ كَافٍ.
ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا لَزِمَ اعْتِبَارُهُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ مِنْ صِفَاتِ لَفْظِهِ، لَزِمَ اعْتِبَارُهُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ صِفَاتِ لَفْظِهِ.
فَلَمَّا لَوْ كَانَ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ، صَحَّ النِّكَاحُ، وَلَمْ يَحْتَجِ الزَّوْجُ إِلَى الْقَبُولِ بَعْدَ إِجَابَةِ الْوَلْيِّ، وَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوَلِيُّ فَيَقُولُ لِلزَّوْجِ: قَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي، وَيَقُولُ الزَّوْجُ: قَدْ تَزَوَّجْتُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْبَيْعِ بِمَثَابَتِهِ.
وَيَتَحَرَّرُ مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَقْدٌ لَوْ تَقَدَّمَ فِيهِ الْبَذْلُ كَفَاهُ الْقَبُولُ، فَإِذَا تَقَدَّمَ فِيهِ الطَّلَبُ كَفَاهُ الإيجاب كالنكاح.
والثاني: أن كلما لَوْ كَانَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ كَانَ نِكَاحًا، فَإِذَا كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَانَ بَيْعًا، كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الْبَذْلُ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا بِعَبْدٍ، وَعَقَدَاهُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ، وَالْمُتَبَايِعَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ، فَأَيُّهُمَا جَعَلَ نَفْسَهُ بِاللَّفْظِ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا، لَزِمَهُ حُكْمُهُ.
فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: بِعْنِي عَبْدَكَ هَذَا بِعَبْدِي، فَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ بِعْتُكَ بِهِ، صَحَّ بِهِ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ أَنْزَلَ نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي، فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ.
وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَالَ: اشترِ مِنِّي عَبْدِي هَذَا بِعَبْدِكَ، فَقَالَ: قَدِ اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ أَنْزَلَ نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ، فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا مَا يَصِيرُ الْعَقْدُ تَامًّا بِهِ فَشَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَعْجِيلُ الْقَبُولِ عَلَى الْفَوْرِ إِنْ تَقَدَّمَ الْبَذْلُ، أَوْ تَعْجِيلُ الْإِيجَابِ عَلَى الْفَوْرِ إِنْ تَقَدَّمَ الطَّلَبُ، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلَا بُعْدٍ، فَإِنْ فُصِلَ بَيْنَ الْبَذْلِ وَالْقَبُولِ بِكَلَامٍ لَيْسَ مِنْهُ، أَوْ تَطَاوَلَ مَا بَيْنَ الْبَذْلِ وَالْقَبُولِ بِالْإِمْسَاكِ حَتَّى بَعُدَ مِنْهُ. لَمْ يَتِمَّ الْعَقْدُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَبُولِ تَأْثِيرٌ، إِلَّا أَنْ يَعْقُبَهُ الْبَائِعُ بِالْإِيجَابِ، فَيَصِيرُ الْقَبُولُ طَلَبًا وَالْإِيجَابُ جَوَابًا، وَيَتِمُّ الْبَيْعُ، وَلَكِنْ لَوْ حَصَلَ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالْبَذْلِ إِمْسَاكٌ لِبَلْعِ الرِّيقِ وَقَطْعِ النَّفَسِ، تَمَّ الْعَقْدُ، وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْإِمْسَاكِ تَأْثِيرٌ فِي فَسَادِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَبُولُ الْمُشْتَرِي يَقْتَضِي مَا تَضْمَّنَهُ بَذْلُ الْبَائِعِ مِنَ الثَّمَنِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي بِأَلْفٍ، فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: قَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِالْأَلْفِ، أَوْ يقول: قد