للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ:

وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ بِفَرَسٍ فَضَلَّ مِنْهُ الْفَرَسُ نُظِرَ، فَإِنْ حَضَرَ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْوَقْعَةِ وَمَصَافِّ الْقِتَالِ أُسْهِمَ لَهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا وَتَجَاوَزَ مَصَافَّ الْقِتَالِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُسْهَمُ لَهُ لِبَقَائِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْذَارَ تُؤَثِّرُ فِي تَمَلُّكِ الْأَمْوَالِ كَمَا لَوْ ضَلَّ صَاحِبُهُ عَنْ حُضُورِ الْوَقْعَةِ حَتَّى فَاتَتْهُ، لَمْ يُسْهَمْ لَهُ، وإِنْ كَانَ مَعْذُورًا.

فَصْلٌ:

وَإِنْ خَلَفَ الرَّجُلُ فَرَسَهُ فِي مُعَسْكَرِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ وَقْعَةَ الْقِتَالِ، لَمْ يُسْهَمْ لَهُ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ لَوْ تَأَخَّرَ فِي الْمُعَسْكَرِ عَنْ حُضُورِ الْوَقْعَةِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ، فَفَرَسُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُسْهَمَ لَهُ وَلَكِنْ لَوِ اسْتَخْلَفَهُ أَمِيرُ الْجَيْشِ بِالْمُعَسْكَرِ عَلَى حِفْظِهِ وَحِرَاسَتِهِ حَظْرًا مِنْ هُجُومِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ أُسْهِمَ لَهُ وَلِفَرَسِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْجَيْشِ مِنْ حُضُورِهِ مَعَهُمْ، وَهَكَذَا لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْجَيْشِ أَفْرَدَ مِنْهُمْ كَمِينًا لِيَظْفَرَ مِنَ الْعَدُوِّ بِفَرِّهِ، أُسْهِمَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ؛ لِأَنَّهُمْ عَوْنٌ فِيهَا يَخَافُهُمُ الْعَدُوُّ وَيَقْوَى بِهِمُ الْجَيْشُ.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ فَلَا يُدْخِلُ إِلَّا شَدِيدًا وَلَا يُدْخِلُ حَطِمًا وَلَا قَمْحًا ضعيفا ولا ضرعا (قال المزني) رحمه الله القحم الكبير والضرع الصغير ولا أعجف رازحا وإن أغفل فدخل رجل على واحدة منها فقد قيل لا يسهم له لأنه لا يغني غناء الخيل التي يسهم لها ولا أعلمه أسهم فيما مضى على مثل هذه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ خَيْلَ الْمُجَاهِدِينَ وَتَجْهِيزَهَا، وَلَا يُدْخِلُ فِيهَا حَطِمًا وَهُوَ الْكَبِيرُ وَلَا ضَرْعًا وَهُوَ الصَّغِيرُ، وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا وَهُوَ الْهَزِيلُ الَّذِي لَا حَرَاكَ بِهِ لِأَنَّهَا لَا تَفِي عَنَاءَ الْخَيْلِ الشَّدِيدَةِ وَقَدْ تَضُرُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: عجزهما عَنِ النَّهْضَةِ وَعَجْزُ رَاكِبِهَا عَنِ الْمُقَاتَلَةِ.

وَالثَّانِي: ضِيقُ الْغَنِيمَةِ بِالْإِسْهَامِ لَهَا عَلَى ذَوِي الْعَنَاءِ وَالشِّدَّةِ، فَلَوْ دَخَلَ رَجُلٌ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الضَّعِيفَةِ الْعَاجِزَةِ عَنْ عَنَاءِ الْخَيْلِ السَّلِيمَةِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ قَدْ نَادَى فِيهِمْ أَلَّا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنَ الْجَيْشِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا سَهْمَ لِمَنْ دَخَلَ بِهَا لأن في الْبِغَالَ الَّتِي لَا سَهْمَ لَهَا مَا هُوَ عناء منها، وإن لم ينادي فِيهِمْ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا وفي الأم قيل: لَا يُسْهَمُ، وَقِيلَ يُسْهَمُ لَهَا فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ حَيْرَانَ يُخَرِّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُسْهَمُ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ فَعَجْزُهَا عَنِ الْعَنَاءِ كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُسْهَمُ لَهَا؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُمَا فِي السَّهْمِ كَالْمُقَاتِلَةِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>