للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: أنَّهَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ - فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْمَالِ إِذَا لَمْ يَخْتَرْهُ فِي الْحَالِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ أَحَدَ شَيْئَيْنِ إِمَّا الْقِصَاصَ أَوِ الْمَالَ - فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَسْقُطُ الْمَالُ بِعَفْوِهِ عن القصاص فأما إن عفى الْمُفْلِسُ عَنِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا مِنَ الْقِصَاصِ وَالْمَالِ وَصَرَّحَ بِهِمَا فِي عَفْوِهِ صَحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْقِصَاصِ، وَفِي عَفْوِهِ عَنِ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أحدهما: أَنَّ عَفْوَهُ صَحِيحٌ وَقَدْ سَقَطَ الْمَالُ. وَهَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَحْدَهُ وَأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الولي فيسقط المال يعفوه عَنْهُ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُجْبَرُ عَلَى تَمَلُّكِ مَالٍ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَمُطْلَقٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَفْوَهُ عَنِ الْمَالِ بَاطِلٌ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ وَتُقَسَّمُ بينَ غُرَمَائِهِ وَهُنَا إِذَا قِيلَ إِنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوِ الْمَالَ وَإِنَّ حَجْرَ الْمُفْلِسِ يَجْرِي مَجْرَى حَجْرِ السَّفَهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ عَفْوَهُ مَوْقُوفٌ إِذَا قِيلَ إِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ جَارٍ مَجْرَى حَجْرِ الْمَرَضِ لِيَنْظُرَ هَلْ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ فَيَصِحَّ أَوْ عجز عنه فيبطل.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ عَلَى الْمُفْلِسِ أَنْ يُؤَاجِرَ وَذُو الْعُسْرَةِ يُنْظَرُ إِلَى مَيْسَرَةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا فَضَلَتْ عَلَى الْمُفْلِسِ دُيُونٌ بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَاجِرَ بِهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَجِبُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ الْحَاكِمُ بِأُجْرَةٍ تُقْضَى بِهَا بَاقِي دُيُونِهِ. اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاعَ سَرْقًا فِي دَيْنٍ وَالْحُرُّ لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ ثَبَتَ أَنَّهُ بَاعَ مَنَافِعَهُ، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَجَّرَ مُفْلِسًا " وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ بِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي تَعَلُّقِ دُيُونِ الْمُفْلِسِ بِهِمَا وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ فِي ضَمَانِهَا فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِالْمُسَمَّى وَفِي الْفَاسِدِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ ثُمَّ إِذَا كَانَتِ الْأَعْيَانُ مَبِيعَةً عَلَى الْمُفْلِسِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَبِيعَةً عَلَيْهِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] فَأَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ بَعْدَ الْإِعْسَارِ، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ قَالَ لِغُرَمَائِهِ: " خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ " وَرُوِيَ " لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ "، وَلِأَنَّ مَنَافِعَ الْحُرِّ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَإِنَّمَا هِيَ أَسْبَابٌ إِلَى تَمَلُّكِ الْمَالِ وَالْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ إِذَا أَفْلَسَ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَعَلَى خُلْعِ الزَّوْجَةِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ رِوَايَتِهِمْ أَنَّهُ بَاعَ سَرْقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>