للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وهو مسألة الكتاب: أن يكون الشرط بَاطِلًا، وَهَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ أَمْ لَا؟ عَلَى قولين:

أحدهما: إنه باطل، فعلى هذا من بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا بَاطِلٌ، وَالثَّانِي جَائِزٌ، وَلِلْبَائِعِ الْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ وَبَيْنَ فَسْخِهِ. وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ فَسْخُهُ وَإِنْ صَحَّ الرَّهْنُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ شَرَطَ مَنَافِعَهُ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا فَاتَهُ الشَّرْطُ ثَبَتَ له الخيار، وقد كان بعض أصحابنا يرتبها غير هذا الترتيب، وخرج الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: بُطْلَانُ الشَّرْطِ فِي الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ.

وَالثَّانِي: بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَالرَّهْنِ وَجَوَازُ الْبَيْعِ.

وَالثَّالِثُ: بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَجَوَازُ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمَنَافِعِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَعْيَانًا كَالنِّتَاجِ وَالثِّمَارِ، أَوْ آثَارًا كَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ، فَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فَلَا رَهْنَ أَصْلًا.

وَإِنْ كَانَتْ آثَارًا كَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ بِزَمَانٍ وَإِنَّمَا شُرِطَتْ ما بقي الرهن، فالبيع باطل؛ لأن الرهن قَدْ يُعَجِّلُ قَضَاءَ الْحَقِّ أَوْ يُؤَخِّرُهُ، فَتُجْهَلُ الْمَنَافِعُ الَّتِي هِيَ مُضَافَةٌ إِلَى الثَّمَنِ، وَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَالرَّهْنُ مَجْهُولًا، وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِزَمَانٍ كَأَنَّهُ شَرَطَ سُكْنَى الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ سَنَةً، أَوْ شَرَطَ رُكُوبَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ شَهْرًا، فَهَذَا عَقْدٌ قَدْ جَمَعَ بَيْعًا وَإِجَارَةً فَكَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمَا بَاطِلَانِ وَلَا رَهْنَ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُمَا جَائِزَانِ وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ الْمُرْتَهِنِ لِحُصُولِ غَرَضِهِ وَاسْتِيفَائِهِ.

(فَصْلٌ)

قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَصْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ فَاسِدٍ بِشَرْطٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أُجْبِرَ حَتَّى يَعْقِدَا بِمَا يَجُوزُ، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنَ الْمُزَنِيِّ عَلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ. ظَنَّ فِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ إِذَا بَطَلَ بِفَسَادِ الشَّرْطِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ لِلْمُرْتَهِنِ الْبَائِعِ فِيهِ الْخِيَارَ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ وَبَيْنَ فَسْخِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ يُجْعَلُ الْخِيَارُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ، وَهَذَا غَلَطٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>