فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ بِهَذَا الْجَرْحِ عِنْدَ الْحَاكِمِ هُمُ الْجِيرَانَ وَأَهْلَ الْخِبْرَةِ كَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةً فِي شَهَادَتِهِمْ.
وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ بِهَا أَصْحَابَ مَسَائِلِهِ تَحَمَّلُوهَا عَنْ عِلْمِهَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِهَا عَنْهُمْ، لِأَنَّ أَصْحَابَ مَسَائِلِهِ قَدْ نُدِبُوا لِلْبَحْثِ عَنْهَا، وَلَوْ تَحَمَّلُوهَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَقَدَّمُوا الشَّهَادَةَ بِهَا وَلَمَا احْتَاجُوا إِلَى الْمَسْأَلَةِ عَنْهَا.
وَلَا يَصِيرُ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ إِذَا شَهِدُوا بِهَا قَذَفَةً، وَإِنْ لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ.
وَيَصِيرُ الْجِيرَانُ بِهَا قَذَفَةً. إِنْ لَمْ تُكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ، لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمَسَائِلِ نُدِبُوا لِلْإِخْبَارِ بِمَا سَمِعُوهُ، وَلَمْ يُنْدَبِ الْجِيرَانُ إِلَيْهِ وَسَوَاءٌ ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ هَذَا الْجَرْحَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، لَكِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِهِ إِنْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَحْكُمُ بِهِ إِنْ كَانَ بِلَفْظِ الخبر.
(ذكر سبب الجرح)
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَلَا يَقْبَلُهُ مِنْ فَقِيهٍ دَيِّنٍ عَاقِلٍ إِلَّا بِأَنْ يَقِفَهُ عَلَى مَا يَجْرَحُهُ بِهِ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَبَايَنُونَ فِي الْأَهْوَاءِ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ بِالتَأْوِيلِ وَهُوَ بِالْجَرْحِ عِنْدَهُمْ أَوْلَى وَأَكْثَرُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بَغْيًا حَتَّى يُعَدَّ الْيَسْيرُ الَذِي لَا يَكُونُ جَرْحًا جَرْحًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ الشُّهُودِ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ حَتَّى يَذْكُرُوا لَهُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ، إِذَا شَهِدُوا عِنْدَهُ أَنَّهُ عَدْلٌ، أَوْ فَاسِقٌ، وَلَا يَسْأَلُهُمْ عَنْ سَبَبِ مَا صَارَ بِهِ عِنْدَهُمْ عَدْلًا، أَوْ فَاسِقًا.
اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مِنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَلِأَنَّهُمْ إِذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا صَارُوا قَذَفَةً يُحَدُّونَ، فَكَانَتِ الشَّهَادَةُ بِفِسْقِهِ أَسْلَمَ وَأَسْتَرَ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ عِلْمِهِمْ بِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ فِسْقِهِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس ".
ولأن الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ إِلَى الْحُكَّامِ دُونَ الشُّهُودِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ، وَلَمْ يُعْمَلْ فِيهِ عَلَى رَأْيِ الشُّهُودِ؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَشَارِبُ النَّبِيذِ