للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا صَحَّتِ الْمُهَايَأَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ دُونَ اللَّازِمَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ، وَإِذَا كَانَا مُقِيمَيْنِ عَلَيْهَا، يَوْمًا لِلْعَبْدِ، وَيَوْمًا لِلسَّيِّدِ، دَخَلَ فِيهَا مَأْلُوفُ الْكَسْبِ، وَمَأْلُوفُ النَّفَقَةِ، فَاخْتُصَّ الْعَبْدُ بِمَا كَسَبَهُ فِي يَوْمِهِ، وَيُحْمَلُ فِيهِ مَا لَزِمَهُ مِنْ نَفَقَتِهِ، وَاخْتُصَّ السَّيِّدُ فِي يَوْمِهِ بِمَا كَسَبَ الْعَبْدُ، وَيُحْمَلُ فِيهِ مَا لَزِمَهُ مِنْ نَفَقَتِهِ.

فَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْلُوفِ مِنَ الْكَسْبِ، كَالْكَنْزِ وَاللُّقَطَةِ، وَغَيْرُ الْمَأْلُوفِ مِنَ النَّفَقَةِ، كَزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَفِي دُخُولِهَا فِي الْمُهَايَأَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْمُهَايَأَةِ، كَالْمَأْلُوفِ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَا فِي يَوْمِ الْعَبْدِ اخْتُصَّ بِالْكَنْزِ، وَاللُّقَطَةِ، وَتَحَمُّلِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَا فِي يَوْمِ السَّيِّدِ اخْتُصَّ بِذَلِكَ دُونَ الْعَبْدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، أَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمُهَايَأَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هَذَا فِي زَمَانِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَلَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، وَيَكُونُ حُدُوثُ ذَلِكَ فِي زَمَانِ أَحَدِهِمَا، مُوجِبًا لِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ مَا عَدَاهُمَا مِنَ المألوف جاريا على المهايأة.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ وَرِثَهُ بِقَدْرِ وَلَائِهِ فَإِنْ مَاتَ لَهُ مُوَرِّثٌ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا (قَالَ الْمُزَنِيُّ) الْقِيَاسُ أَنْ يَرِثَ مِنْ حيث يورث وقد قال الشافعي إِنَّ النَّاسَ يَرِثُونَ مِنْ حَيْثُ يُوَرَّثُونَ وَهَذَا وَذَاكَ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ المسألة فيمن عتق بَعْضهُ، وَرقَّ بَعْضهُ، هَلْ يَرِثُ وَيُورَثُ؟ وَهُمَا فَصْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: هَلْ يَرِثُ إِذَا مَاتَ لَهُ موروث، أم لا؟ . وفي بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خِلَافٌ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَرِثُ كَالْحُرِّ مِيرَاثًا كَامِلًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ، وَيُحْجَبُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَذَهَبَ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ إِذَا كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ الرِّقِّ وَإِنْ قَلَّ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّقِّ فِيمَا سِوَى الْمِيرَاثِ، مِنْ نِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ، وَوِلَايَتِهِ، وَشَهَادَتِهِ، جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّقِّ فِي مِيرَاثِهِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ مَانِعٌ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَإِذَا لَمْ يَزُلِ الرِّقُّ لَمْ يَزُلْ مَانِعُ الْمِيرَاثِ. قَالَ الْمُزَنِيُّ: (الْقِيَاسُ أَنْ يَرِثَ مِنْ حَيْثُ يُوَرَّثُ) .

قِيلَ قَدْ يُوَرَّثُ مَنْ لَا يَرِثُ، كَالْجَنِينِ يُوَرَّثُ وَلَا يَرِثُ، وَالْعَمَّةُ تُوَرَّثُ وَلَا تَرِثُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>