للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

: فَأَمَّا وَقْتُ الْإِهْلَالِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي الِاخْتِيَارِ، فَهُوَ أَنْ تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ، إِنْ كَانَ رَاكِبًا، أَوْ يَتَوَجَّهُ فِي السَّيْرِ إِنْ كَانَ مَاشِيًا.

وَقَالَ أبو حنيفة يُمْهَلُ إِذَا صَلَّى وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي لِأَعْجَبِ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي إِهْلَالِهِ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُ أَهَّلَ فِي مَحَلَّتِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُ أَهَلَّ حِينَ انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَهَّلَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْبَيْدَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْجَبَ فِي محلته، فلما انبعثت به راحلته أهل، فلما أشرف على البيداء أَهَلَّ. وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ أَرْسَالًا، فَأَدْرَكَهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَحَلَّتِهِ أَهَلَّ حِينَ انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، أَهَلَّ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْبَيْدَاءِ ". وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، أَوْلَى، وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ، وَالْإِمْلَاءُ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُهِلُّ إِلَّا حِينَ تَنْبَعِثُ بِهِ رَاحِلَتُهُ. فَنَفَى وَأَثْبَتَ، وَالنَّفْيُ مَعَ الْإِثْبَاتِ لَا الْإِثْبَاتُ الْمُجَرَّدُ، بَلْ هُوَ أَوْكَدُ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ دَوَامِ فعله وروى سعد بن أبي وقاص قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا أخذ في طريق الفرع أهل حين تنبعث به راحلته و ... في طريق إحرامه حين أشرف على البيداء. وهو إخبار عن فِعْلِهِ. وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِذَا تَوَجَّهْتُمْ إِلَى مِنًى، فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ ". فَدَلَّ مَا رَوَيْنَا مِنْ فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، عَلَى أَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَوْلَى. وَلَمْ يَكُنْ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُعَارِضًا لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً، وَلِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى قَوْلٍ وَفِعْلٍ. وَابْنُ عَبَّاسٍ نَقَلَ فِعْلًا مُجَرَّدًا وَلِأَنَّهُمَا أخبار عن دوام فعل وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ فِعْلٍ مَرَّةً، عَلَى أَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَأَخْبَارُنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ وَدَوَامَ الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.

مَسْأَلَةٌ

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً عِنْدَ دخوله فيه وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر بالغسل وتطيب لإحرامه وتطيب ابن عباس وسعد بن أبي وقاص ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْإِحْرَامُ يَنْعَقِدُ لِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يُضَمَّ إِلَيْهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، إِمَّا التَّلْبِيَةُ، أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ. فَإِنْ سَاقَ الْهَدْيَ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ، وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ لَمْ يَنْعَقِدْ إِحْرَامُهُ، إِلَّا أَنْ يُلَبِّيَ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُهِلَّ ". وَهَذَا أَمْرٌ وبرواية

<<  <  ج: ص:  >  >>