وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِإِسْلَامِهِ، فَفِي وُجُوبِ الْقَوَدِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، لِأَنَّ تَقَدُّمَ رِدَّتِهِ شُبْهَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَوَدُ، لِأَنَّهُ عَمَدَ قَتْلَ نَفْسٍ مَحْظُورَةٍ.
وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ وَسُئِلَ عنها لم يخلو جَوَابُهُ مِنِ اعْتِرَافٍ بِهَا أَوْ إِنْكَارٍ لَهَا.
فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهَا اسْتَتَبْنَاهُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ.
وَإِنْ أَنْكَرَهَا قِيلَ لَهُ: إِنْكَارُكَ لَهَا مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِهَا تَكْذِيبٌ لِشُهُودٍ عُدُولٍ، لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِالتَّكْذِيبِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُكَ الْإِقْرَارُ بِهَا، وَلَكَ الْمَخْرَجُ مِنْ شَهَادَتِهِمْ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ.
فَإِذَا أَظْهَرَهُ: زَالَتْ عَنْهُ الرِّدَّةُ وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ.
فَقَدْ شَهِدَ شُهُودٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، فَأَحْضَرَهُمْ وَسَأَلَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَرَفَ وَتَابَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، فَكَفَّ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَجْرَى عَلَى جَمِيعِهِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ.
فَإِذَا أَظْهَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَكْشِفْ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْهُ تأويلين:
أَحَدُهُمَا: لَمْ يَكْشِفْ عَمَّا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ رِدَّتِهِ.
وَالثَّانِي: لَمْ يَكْشِفْ عَنْ بَاطِنِ مُعْتَقَدِهِ، لِأَنَّ ضَمَائِرَ الْقُلُوبِ لَا يُؤَاخِذُ بِهَا إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ.
رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ارْتَابَ بِرَجُلٍ فِي الرِّدَّةِ، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَظُنُّكَ متعوذ بِهِ.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا لِي فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذٌ؟
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَلَى إن لك في الإسلام لمعاذ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ: فَتَتَضَمَّنُ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا، لِأَنَّ الرِّدَّةَ قَدْ رَفَعَتْ عَنْهُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ، فَيَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.