بَابُ الْحُكْمِ فِي الدُّخُولِ وَإِغْلَاقِ الْبَابِ وَإِرْخَاءِ الستر من الجامع ومن كتاب عشرة النساء ومن كتاب الطلاق القديم
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا الْمَالَ فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ ديناً فله الدخول بِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا امْتَنَعَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِقَبْضِ صَدَاقِهَا لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أن يكون جمعيه حَالًّا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ مُؤَجَّلًا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ حَالًّا، إِمَّا بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ أَوْ بِالشَّرْطِ فَيَكُونُ حَالًّا بِالْعَقْدِ، وَالشَّرْطُ تَأْكِيدٌ، فَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا عَلَى قَبْضِ صَدَاقِهَا، كَمَا كَانَ لِبَائِعِ السِّلْعَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا عَلَى قبض ثمنها.
فإذا تَطَوَّعَتْ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ ثُمَّ أَرَادَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَنْ تَمْتَنِعَ عَلَيْهِ لِقَبْضِ الصَّدَاقِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا، فَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ وَطِئَهَا، لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي النِّكَاحِ يَكُونُ بِالْوَطْءِ الَّذِي يَسْتَقِرُّ بِهِ كَمَالُ الْمَهْرِ دُونَ التَّسْلِيمِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ لَهَا عِنْدَنَا أَنْ تَمْتَنِعَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا الِامْتِنَاعُ بَعْدَ الْوَطْءِ، كَمَا كَانَ لَهَا الِامْتِنَاعُ قَبْلَهُ احْتِجَاجًا بِأَنَّ الصَّدَاقَ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ وَطْءٍ فِي النِّكَاحِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَوَّلِ لَوَجَبَ لِلثَّانِي مَهْرٌ آخَرُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ في مقابلة الأول لجاز لا أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا بَعْدَ الْأَوَّلِ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ به.