بدويا حنث بسكناها، لانطلاق اسم الحقيقية عَلَيْهَا وَوُجُودِ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ قَرَوِيًّا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ يَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا يَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا، إِذَا كَانَ قَرَوِيًّا لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِسُكْنَاهَا، وَحَمَلَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَهْلِ قُرًى عَرَبِيَّةٍ، يَسْكُنُ أَهْلُهَا بُيُوتَ الْمَدَرِ تَارَةً، وَبُيُوتَ الشَّعْرِ أُخْرَى، فَأَمَّا مَنْ لَا يَسْكُنُ إِلَّا بُيُوتَ الْمَدَرِ فَلَا يَحْنَثُ بِسُكْنَى بُيُوتِ الشَّعْرِ وَالْأَدَمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِخُرُوجِهَا عَنِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، كَمَا لَوْ حلف لا يأكل رؤوساً، لم يحنث برؤوس الطير والجراد، حتى يأكل رأي النَّعَمِ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ وَإِنِ انْطَلَقَ اسْمُ الْحَقِيقَةِ عَلَى جَمِيعِهَا اعْتِبَارًا، بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا لَمْ يَحْنَثْ بِبَيْضِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَإِنِ انْطَلَقَ اسْمُ الْبَيْضِ عَلَيْهَا حَقِيقَةً، حَتَّى يَأْكُلَ مِنَ الْبَيْضِ مَا فَارَقَ بَائِضَهُ حَيًّا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ يَحْنَثُ الْقَرَوِيُّ بِسُكْنَاهَا، كَمَا يَحْنَثُ الْبَدَوِيُّ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: انْطِلَاقُ اسْمُ الْحَقِيقَةِ عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي: اقْتِرَانُ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالَ فِيهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ عَادَةِ الْحَالِفِ لِوُجُودِهَا فِي غَيْرِهِ كَمَا حَنِثَ الْبَدَوِيُّ بِسُكْنَى بُيُوتِ الْمَدَرِ.
وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ عَادَتِهِ، لِوُجُودِهَا فِي غَيْرِهِ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ عِرَاقِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَسَارِ، أَنْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا حَنِثَ بِخُبْزِ الذُّرَةِ، وَالْأُرْزِ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ عُرْفِهِ وَعَادَتِهِ، لِوُجُودِهَا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ عَادَةُ الْحَالِفِ إِذَا وُجِدَتْ فِي غَيْرِهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ عَادَةُ الْمُوَكِّلِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ الْخُبْزِ، وَعَادَتُهُ أَكْلُ الْبُرِّ فَاشْتَرَى لَهُ حَبَّ الْأُرْزِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ وَعَادَتُهُ أَكْلُ الْبُرِّ فَأَكَلَ حَبَّ الْأُرْزِ حنث.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فلانٌ فَاشْتَرَاهُ فلانٌ وَآخَرُ مَعَهُ طَعَامًا وَلَا نيةٌ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَاشْتَرَى زَيْدٌ وَعَمْرٌو طَعَامًا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْنَثُ احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّهُ قَدْ أَكَلَ طَعَامًا قَدِ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، وَعَمْرٌو، فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا لَوِ اشْتَرَيَاهُ في صفقتين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute