به من حقوق غيرهم من البطن الثَّانِي أَوِ الْفُقَرَاءِ لَكِنْ لَا حَقَّ لِمَنْ صَدَّقَ مِنْهُمْ فِي الْوَقْفِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُصَدِّقْ. وَيَصِحُّ بِهَذَا الْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ الْوَقْفُ أَنْ يُصَالِحَ الْمُدَّعِي الْمُقِرَّ لَهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ دَارًا فِي يَدِهِ مَسْجِدًا وَخَلَّفَهَا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِيهَا بِالصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِتَسْبِيلِهَا لَمْ تَصِرْ سُبْلَةً بِهَذَا الْقَدْرِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ: مَتَى خَلَّفَهَا وَجَعَلَهَا بِرَسْمِ الْمَسَاجِدِ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِذَا صَلَّى فِيهَا الْمُسْلِمُونَ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ وَكُلُّ هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ إِزَالَةَ الْأَمْلَاكِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْقَوْلِ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالطَّلَاقِ.
فَلَوْ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا فَادَّعَاهَا مُدَّعٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا لَزِمَهُ إِقْرَارُهُ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَيْهَا صَحَّ صُلْحُهُ، فَلَوْ سَبَّلَهَا مَسْجِدًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلِ التَّسْبِيلُ وَلَزِمَهُ غُرْمُ قِيمَتِهَا لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا فَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ صُلْحُهُ.
وَلَوْ صَالَحَهُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَجِيرَانُ الْمَسْجِدِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْمُسَبِّلِ بِشَيْءٍ ما لم يأمرهم بالصلح عنه.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا عَلَى طَرِيقِ نَافِذَةٍ فَصَالَحَهُ السُّلْطَانُ أَوْ رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَنُظِرَ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ تُرِكَ وَإِنْ ضَرَّ قُطِعَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ أَشْرَعَ مِنْ دَارِهِ جَنَاحًا أَوْ سَابَاطًا عَلَى طَرِيقٍ فَلَا يَخْلُو حَالُ الطَّرِيقِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ تَكُونَ نَافِذَةً أَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ. فَإِنْ كَانَتْ نَافِذَةً فَلَا يَخْلُو حَالُ الْجَنَاحِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا بِالْمَارَّةِ أَوْ غَيْرَ مُضِرٍّ.
فَإِنْ كَانَ الْجَنَاحُ الْخَارِجُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْمَارَّةِ وَالْمُجْتَازِينَ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ. وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ فِيهِ. لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِدَارِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُطِّرَ عَلَيْهِ مِنْ مِيزَابِهِ مَاءٌ فَأَمَرَ بِقَلْعِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ قَلَعْتَ مِيزَابًا نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا يُعَادُ إِلَّا عَلَى ظَهْرِي فَرَكِبَ الْعَبَّاسُ ظَهْرَهُ وَأَعَادَ الْمِيزَابَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَزَلِ النَّاسُ قَدِيمًا يَفْعَلُونَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ خُلَفَائِهِ يُشَاهِدُونَهُ فَلَا يُنْكِرُونَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ شَرْعٌ مُسْتَقِرٌّ وَإِجْمَاعٌ مُنْعَقِدٌ.
وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلنَّاسِ الِارْتِفَاقُ بِالطُّرُقِ وَالْمَقَاعِدِ مِنْهَا جَازَ لَهُمُ الِارْتِفَاقُ بِهَوَائِهَا.