للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبْعِيضَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ لَا يَتَبَعَّضُ، فَصَارَ التَّحْرِيمُ بِالتَّبْعِيضِ مُمَازِجًا لِلتَّحْلِيلِ، وَهُمَا لَا يَمْتَزِجَانِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فكان تغليب التحريم أولى الأمرين:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَظْرَ وَالْإِبَاحَةَ إِذَا اجْتَمَعَا يَغْلِبُ حُكْمُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، كَاخْتِلَاطِ زَوْجَتِهِ بِأُخْتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ يَسْرِي، وَإِبَاحَةَ النِّكَاحِ لَا تَسْرِي، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ نِصْفَ زَوْجَتِهِ سَرَى الطَّلَاقُ إِلَى جَمِيعِهَا، وَلَوْ نَكَحَ نِصْفَ امْرَأَةٍ لَمْ يَسْرِ النِّكَاحُ إِلَى جَمِيعِهَا

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ لِلْوَاحِدَةِ نِصْفَيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي أَنَّهَا فِي الْحَالَيْنِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، كما أن لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ نِصْفَا دِرْهَمٍ، فِي أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْحَالَيْنِ مُقِرًّا بِدِرْهَمٍ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ، كَانَتْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، مَا لَمْ يُرِدْ أَكْثَرَ مِنْهَا، لأن للطلقة الواحدة ثلاث أَثْلَاثٍ وَأَرْبَعَةُ أَرْبَاعٍ.

(فَصْلٌ:)

وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ، وَمِثْلَهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ وَاحِدَةً، لِأَنَّ مِثْلَ النِّصْفِ نِصْفٌ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُطَلَّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ بَيْنَ النِّصْفَيْنِ وَاوَ الْعَطْفِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا هَاهُنَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَضَافَ النِّصْفَيْنِ إِلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يُضِفْهَا هَاهُنَا إِلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَمِثْلَهُ، طُلِّقَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ طَلْقَتَيْنِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: أنت طالق نصف طلقة ونصفها طلقت ثنتين وَجْهًا وَاحِدًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالضِّعْفِ، أَنَّ الْمِثْلَ نَظِيرٌ، وَالضِّعْفَ تَكْرِيرٌ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ طَلْقَتَيْنِ، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أنصاف تكون واحدة ونصف، فَكَمَّلَ اثْنَتَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُطَلَّقُ وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ أَضَافَ الثَّلَاثَةَ الْأَنْصَافَ إِلَى الْوَاحِدَةِ، فَصَارَ النِّصْفُ الثَّالِثُ بِإِضَافَتِهِ إِلَى الْوَاحِدَةِ لَغْوًا فَسَقَطَ، وَطُلِّقَتْ وَاحِدَةً، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعَةَ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ، أَوْ خَمْسَةَ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ كان على هذين الوجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>