للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ مَعْرِفَةُ وَزْنِهَا لِيَصِيرَ بِهِ مَعْلُومًا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِهِ أَنَّهُ وَجَبَ غُرْمُهَا.

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يَكْتُبَ بِمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ أَوْصَافِهَا كِتَابًا وَأَنَّهُ الْتَقَطَهَا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ ذَكَرَ الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ مِمَّا يَذْكُرُهُ الطَّالِبُ مِنْ أَوْصَافِهَا.

وَالشَّرْطُ السَّادِسُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهَا شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ لِيَكُونَ وَثِيقَةً عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ طَمَعِهِ فِيهَا وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ وَارِثُهُ بِهَا أَوْ غُرَمَاؤُهُ وَلِئَلَّا يَحْدُثَ مِنَ الْوَرَثَةِ طَمَعٌ. وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ قَالَ لِوَاجِدِ اللُّقَطَةِ وَأَشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ.

وَالشَّرْطُ السَّابِعُ أَنْ يُعَرِّفَهَا لِأَمْرِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - به لِوَاجِدِهَا وَلِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى عِلْمِ مَالِكِهَا إِلَّا بِالتَّعْرِيفِ لَهَا فَإِذَا أَكْمَلَ حَالَ هَذِهِ الشُّرُوطِ السَّبْعَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ صِفَةِ التَّعْرِيفِ فَقَدْ أَقَامَ بِحُقُوقِهَا. وَرُبَّمَا اسْتَغْنَى عَنْ بَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي بَعْضِ اللُّقَطَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَجَدَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فَلَا يَكُونُ لَهُ عِفَاصٌ وَلَا وِكَاءٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا، وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ شَرْطَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَثَالِثٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِمَا تَمْيِيزُهَا عَنْ أَمْوَالِهِ كُلِّهَا بِأَيِّ وَجْهٍ تَمَيَّزَتْ بِهِ سَوَاءٌ احْتَاجَ مَعَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ عِفَاصٍ وَوِكَاءٍ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ وَالثَّانِي التَّعْرِيفُ الَّذِي بِهِ يَصِلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمَالِكِ وَإِعْلَامِهِ. وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا. وَلِأَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَى اللُّقَطَةِ وَالْمَلْقُوطِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِمَا وَاجِبٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَثِيقَةِ وَفِي تَرْكِهِ مِنَ التَّغْرِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِمَا مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ الْوَاجِدَ مُؤْتَمَنٌ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ كَالْوَصِيِّ وَالْمُودِعِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْتِقَاطِ الْمَنْبُوذِ وَاجِبٌ وَالْإِشْهَادُ عَلَى أَخْذِ اللُّقَطَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ اللُّقَطَةَ كَسْبُ مَالٍ فَكَانَ أَمْرُهَا أَخَفَّ وَاللَّقِيطُ يَتَعَلَّقُ بِهِ نَسَبٌ وَإِثْبَاتُ حُرِّيَّةٍ فَكَانَ أَمْرُهُ أَغْلَظَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ اكْتِسَابَ مَالٍ لَمْ يَجِبْ فيه الشهادة ولما كان النكاح مفضي إِلَى إِثْبَاتِ نَسَبٍ وَجَبَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ شُرُوطِهَا فَسَنَشْرَحُ حَالَ الْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ التَّعْرِيفُ وَالْكَلَامُ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ.

وَالثَّانِي: فِي مَكَانِ التَّعْرِيفِ.

وَالثَّالِثُ: فِي صفة التَّعْرِيفِ. فَأَمَّا مُدَّةُ التَّعْرِيفِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة وَمَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُعَرِّفُهَا حَوْلًا كاملا ولا يلزمه الزيادة عليه ولا يجز به النُّقْصَانُ عَنْهُ وَقَالَ شَاذٌّ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ لَا يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْهَا اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ أَمَرَ وَاجِدَ اللُّقَطَةِ أَنْ يُعَرِّفَهَا حَوْلًا ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا حَوْلًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا شَهْرًا وَاحِدًا وَرَوَى فِي ذَلِكَ خَبَرًا. وَقَالَ آخَرُ يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا ثَلَاثًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ تَعْرِيفِهَا حَوْلًا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهَا وَحَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>