الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَهِيَ بَدَنَةٌ كَالْوَطْءِ فِي الْحَجِّ سَوَاءٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الْعُمْرَةَ كَالْحَجِّ فِيمَا يَحِلُّ فِيهِ وَيَحْرُمُ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَالْحَجِّ فِي فَسَادِهِ بِالْوَطْءِ وَوُجُوبِ الْبَدَنَةِ.
وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى الطَّوَافِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِيهَا مُوجِبًا لِلْقَضَاءِ وَالْبَدَنَةِ كَالْحَجِّ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِهَا ثُمَّ يَقْضِيَهَا مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِهَا، وَكَذَا الْحَجُّ إِذَا أَفْسَدَهُ يَقْضِيهِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ مِنْ مِيقَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، وَبِالْحَجِّ مِنَ الْحَرَمِ، أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ كَذَلِكَ.
وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ وَالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ بَلَدِهِ؛ تَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الحديبة ثُمَّ رَفَضَتْهَا وَخَرَجَتْ مِنْهَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ وَرَفَضُ الْعُمْرَةِ كَالْإِفْسَادِ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا هُوَ الإتيان بفعل ما لزم فَلَمَّا لَزِمَهُ فِي الْأَدَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْ بَلَدِهِ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَجَبَ أَنْ لَا يُلْزِمَهُ الْقَضَاءُ الْإِحْرَامَ مِنْ بَلَدِهِ بِالْإِفْسَادِ لَهُ، لِيَصِيرَ قَاضِيًا لِمَا كَانَ لَهُ مُؤَدِّيًا، فَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمْ تَرْفُضْ عُمْرَتَهَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا بَلْ كَانَتْ قَارِنَةً؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيُكِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُجْزِئُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكَ " وَإِنَّمَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كل نسائك يتصرفن بِنُسُكَيْنِ وَأَنَا بِنُسُكٍ وَاحِدٍ، يَعْنِي: بِنُسُكَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ، وَأَنَا قَدْ ضَمَمْتُهَا فِي الْقِرَانِ، فَحِينَئِذٍ أَمَرَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَاهَا أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لَهَا: " ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ " وقيل إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ أَيْ عَمَلَ عُمْرَتِكِ، وَقَوْلِهِ: وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، أَيِ أَدْخِلِي الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى صَارَتْ قَارِنَةً.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ بَلَدِهِ الَّذِي كَانَ قَدْ أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ فَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ وَأَحْرَمَ مِنَ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى بَلَدِهِ مُحْرِمًا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي نُسُكِهِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَى بَلَدِهِ مُحْرِمًا وَمَضَى فِي الْقَضَاءِ كَانَ كَالْمُجَاوِزِ لِمِيقَاتِهِ فَيُجْزِئُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ دَمٌ لِمُجَاوَزَتِهِ؛ فَلَوْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ فِي الْأَدَاءِ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَأَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ مِصْرَ، وَالْمَسَافَةُ مِنْهَا إِلَى الْحَرَمِ وَاحِدَةٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَسَافَةَ الْإِحْرَامِ فِي الْقَضَاءِ كَمَسَافَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأَدَاءِ، وَيَكُونُ اخْتِلَافُ الْجِهَتَيْنِ كَاخْتِلَافِ الطريقين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute