أُضْحِيَةً وَلَا تُجْزِئُهُ الْبَقَرَةُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْبَدَنَةِ، وَلَا تُجْزِئُهُ الْغَنَمُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ كَأَغْلَظِ كَفَّارَاتِ الْحَجِّ تَقْدِيرًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَأَغْلَظِهَا تَرْتِيبًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْبَقَرَةَ مَعَ وُجُودِ الْبَدَنَةِ أَوْ أَخْرَجَ الْغَنَمَ مَعَ وُجُودِ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ الْبَدَنَةَ فِي الْحَجِّ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي قَتْلِ النَّعَامَةِ وَالْإِفْسَادِ فَلَمَّا وَجَبَتِ الْبَدَنَةُ فِي جَزَاءِ النَّعَامَةِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ اقْتَضَى أَنْ تَجِبَ فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ.
فَصْلٌ
: فَإِنْ عَدِمَ الثَّلَاثَةَ عَدَلَ حِينَئِذٍ إِلَى الْإِطْعَامِ والصيام بقية أَحَدِ الثَّلَاثَةِ عَلَى وَجْهِ التَّعْدِيلِ فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الثَّلَاثَةَ وَجَبَتْ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ قَوَّمَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ وَإِنْ قُلْنَا وَجَبَتْ وُجُوبَ تَرْتِيبٍ وَهُوَ أَصَحُّ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْبَدَنَةَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: يُقَوِّمُ السَّبْعَ مِنَ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْوَاجِبَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَقْوِيْمِ الْبَدَنَةِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ فَرْعٌ لِلْبَدَنَةِ عِنْدَ وُجُودِهِمَا، فَإِذَا عدمها كَانَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِ الْفَرْعِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْبَدَنَةَ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ ذَلِكَ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْحَرُهَا فِيهِ؛ لِوُجُودِهَا دُونَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ بِوَطْئِهِ، وَلَا يُرَاعِي بِقِيمَتِهَا حَالَ الرُّخْصِ وَالسِّعَةِ، وَلَا حَالَ الْغَلَاءِ وَالْقَحْطِ بَلْ يُرَاعِي غَالِبَ الْأَسْعَارِ فِي أَعَمِّ الْأَحْوَالِ فَيُقَوِّمُهَا فِيهِ بِالدَّرَاهِمِ، وَيَصْرِفُ الدَّرَاهِمَ فِي طَعَامٍ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ بِالدَّرَاهِمِ لَمْ تُجْزِئْهُ لِأَنَّ إِخْرَاجَ الدَّرَاهِمِ فِي الْكَفَّارَاتِ إِنَّمَا تَكُونُ قِيَمًا وَإِخْرَاجُ الْقِيَمِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا تُجْزِئُ، فَإِذَا صَرَفَ الدَّرَاهِمَ فِي الطَّعَامِ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَفِيمَا يُعْطِي كُلَّ فَقِيرٍ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ " مُدٍّ " أَوْ أَكْثَرَ مِنْ " مُدٍّ " أَجْزَأَهُ كَاللَّحْمِ الَّذِي لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ وَيُجْزِئُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَتَقَدَّرُ " بِمُدٍّ " فَإِنْ أَعْطَى فَقِيرًا أَكْثَرَ مِنْ " مُدٍّ " لَمْ يُحْتَسَبْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُدِّ، وَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ " مُدٍّ " لَمْ يُحْتَسَبْ بِشَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ تَمَامَ الْمُدِّ اعْتِبَارًا بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْوَطْءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ عَدَلَ عَنِ الْإِطْعَامِ إِلَى الصِّيَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَمْدَادِ كَسْرٌ، صَامَ مَكَانَهُ يَوْمًا كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ ثُمَّ هَلْ يَنْتَقِلُ عَنِ الْإِطْعَامِ إِلَى الصِّيَامِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ أَوِ التَّرْتِيبِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَنْتَقِلُ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ فَإِنْ صَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ أَجْزَأَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ ينتقل على وجه الترتيب عند تمام الْإِطْعَامِ فَإِنْ صَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ لم يجزئه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute