للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْطَعَهُ حَتَّى يَنْخَرِقَ بِجِنَايَتِهِ الْحَاجِزَ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَتَكُونُ ثَلَاثَ مَوَاضِعَ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ مِنْهَا مُوضِحَتَانِ، وَيَلْزَمُ الثَّانِي مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لَا يُبْنَى عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ، كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأَوَّلُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَتَلَهُ الثَّانِي، كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ دِيَتَانِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِي دِيَةُ النَّفْسِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا بَعْدَ زَوَالِ الْحَاجِزِ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْجَانِي: أَنَا قَطَعْتُهُ أَوِ انْخَرَقَ بِالسِّرَايَةِ فَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: أَنَا قَطَعْتُهُ أَوْ قَطَعَهُ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَيْكَ مُوضِحَتَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إِذَا عَدِمَ الْجَانِي الْبَيِّنَةَ، لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْمُوضِحَتَيْنِ بِابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ وَفِي شَكٍّ مِنْ سُقُوطِ إِحْدَاهُمَا، فَاعْتُبِرَ حُكْمُ الْيَقِينِ دُونَ الشَّكِّ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَاخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْوَلِيُّ، فَقَالَ الْوَلِيُّ: مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِكَ فَعَلَيْكَ دِيَتَانِ، وَقَالَ الْجَانِي: مَاتَ مِنْ جِنَايَتِي فَعَلَيَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَمْكَنَ مَا قَالَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَهُ دِيَتَانِ لِوُجُوبِهِمَا بِابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً أَخَذَتْ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَأَعْلَى جَبْهَتِهِ فَصَارَ بِهَا مُوضِحًا لِرَأْسِهِ وَجَبْهَتِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا مُوضِحَتَانِ وَيَلْزَمُهُ دِيَتَاهُمَا، لِأَنَّهُمَا عَلَى عُضْوَيْنِ فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّصَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ فَلَمْ يَنْفَصِلْ حُكْمُهُمَا بِالْمَحَلِّ، وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً أَخَذَتْ مُؤَخَّرَ رَأْسِهِ وَأَعْلَى قَفَاهُ فَصَارَ بِهَا مُوضِحًا لِرَأْسِهِ وَقَفَاهُ لَزِمَهُ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ فِي رَأْسِهِ وَحُكُومَةُ الْمُوضِحَةِ فِي قَفَاهُ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ وَلِمُوضِحَتِهِمَا حُكْمَانِ، لِأَنَّ فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ دِيَةٌ وَفِي مُوضِحَةِ الْقَفَا حُكُومَةٌ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا مَعَ اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا وَمَحَلِّهِمَا، وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فِي طَرَفَيْهَا مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ تَدَاخَلَا وَلَزِمَهُ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَهَا مُخَالِفًا لِحُكْمِهَا لَوِ انْفَرَدَ، لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ الْمُوضِحَةِ أَنْ يَنْدَرِجَ طَرَفَاهَا حَتَّى يُوضِحَ وَسَطَهَا فَأَلْحَقَ الطَّرَفَانِ بِالْوَسَطِ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ فَهِيَ مُوضِحَتَانِ يَلْزَمُهُ أَرْشُهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا مُخْتَلِفٌ وَأَرْشُهُمَا مختلف، لأن فِي مَوَاضِعِ الْجَسَدِ حُكُومَةً تَخْتَلِفُ أَرْشَهَا بِاخْتِلَافِ الشَّيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلْ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ مَعَ اختلاف المحل والأرش.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ وَتُهَشِّمُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْهَاشِمَةُ فَهِيَ الَّتِي أَوْضَحَتْ عَنِ الْعَظْمِ وَهَشَمَتْهُ حَتَّى كَسَرَتْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>