للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُمَا لَوْ أَطْلَقَا الشَّرِكَةَ لَمْ يَتَقَسَّطِ الرِّبْحُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَا اسْتَحَقَّ عِوَضًا فِيهِ فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا فَشَرِكَةُ الْمُفَاضَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالَيْنِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحَيْنِ. مِثَالُهُ أَنْ يكون المال بينهما نصفين والربح بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَهَذِهِ شَرِكَةٌ بَاطِلَةٌ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَفَاضَلَا فِي الْمَالَيْنِ وَيَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحَيْنِ مِثَالُهُ. أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهُوَ شَرِكَةٌ بَاطِلَةٌ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَفَاضَلَا فِي الْمَالَيْنِ وَيَتَفَاضَلَا بِحَسْبِهِ فِي الرِّبْحَيْنِ.

مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ المال بينهما أثلاثا لأحدهما ثلثا وَلِلْآخَرِ ثُلْثُهُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ ثُلُثَاهُ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُهُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ هَذِهِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهَا مُقَسَّطٌ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى بُطْلَانِهَا حَتَّى يَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِ الْمُزَنِيِّ، وَالشَّرِكَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ دَنَانِيرِ صَاحِبِهِ وَيَخْلِطَانِهَا فَيَكُونَانِ فِيهَا شَرِيكَيْنِ فَجُعِلَ قَوْلُهُ مِثْلَ دَنَانِيرِ صَاحِبِهِ مَحْمُولًا عَلَى مِثْلِهَا فِي الْقَدْرِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمِثْلِ إِنَّمَا هُوَ الْمِثْلُ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ دُونَ الْعَقْدِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ شَرِكَةُ الْمُفَاضَلَةِ فِي الضَّرْبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: فَهَلْ يَكُونُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ فِيهَا مُوجِبًا لِبُطْلَانِ الشَّرِكَةِ بِمَعْنَى بُطْلَانِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ بِالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ الْإِذْنُ لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ كَانَ كَمَنْ تَصَرَّفَ فِي مَالٍ مُشْتَرَكٍ عَنْ شَرِكَةٍ فَاسِدَةٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أن اشتراط التفاضل بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْإِذْنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ مَقْسُومًا بِالْحِصَصِ فَلَوْ كَانَ ثُلُثُ الْمَالِ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَثُلُثَاهُ لِلْآخَرِ فَشَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتِّجَارَةِ صَاحِبُ الثُّلُثِ وَحْدَهُ جَازَ وَكَانَتْ هَذِهِ شَرِكَةً وَمُضَارَبَةً بِالْبَدَنِ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَأْخُذُ الثُّلُثَ بِمُلْكِهِ وَتَمَامَ النِّصْفِ بِعَمَلِهِ وَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْمُفَاضَلَةِ إِلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الْخَامِسُ: وَهُوَ شَرِكَةُ الْجَاهِ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْوُجُوهِ فَهُوَ أَنْ يكون الرجل ذا جاه فَيَقُولَانِ عَلَى جَاهِنَا وَنَشْتَرِي مَتَاعًا وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا فَهَذِهِ شَرِكَةُ الْجَاهِ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْوُجُوهِ، وَمِنْ أصحابنا من جعل شركة الجاه من النَّوْعَ الْأَوَّلَ إِذَا كَانَ الْجَاهُ لِأَحَدِهِمَا وَشَرِكَةَ الْوُجُوهِ إِذَا كَانَ الْجَاهُ لَهُمَا، وَهَذَا خِلَافٌ فِي الْعِبَارَةِ وَالْحُكْمُ فِيهَا سَوَاءٌ وَهِيَ شَرِكَةٌ بَاطِلَةٌ وَقَالَ أبو حنيفة هِيَ شَرِكَةٌ جَائِزَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهَا نَوْعُ شَرِكَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يَصِحُّ كَشَرِكَةِ الْعِنَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>