للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّارِقِ، وَإِنْ لَمْ يَغْفَلْ عَنِ الْحِفْظِ وَلَا فَرَّطَ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ يَحْفَظُهَا، وَيُقْطَعُ سَارِقُهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يقطع احْتِجَاجًا بِأَنَّ الدُّخُولَ إِلَى الْحَمَّامِ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ حِرْزًا، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْرَازَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعُرْفِ وَالْعُرْفُ جَارٍ بِأَنَّ الْحَمَّامَ حِرْزٌ لِثِيَابٍ دَاخِلِيَّةٍ، وَلَيْسَ الْإِذْنُ فِي دُخُولِهِ بِمَانِعٍ من أن يكو حرزاً، فإن المسجد أعم دخولاً وأكثر غَاشِيَةً وَهُوَ حِرْزٌ لِمَنْ نَامَ فِيهِ وَوَضَعَ ثَوْبَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ وَقَدْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْإِذْنُ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ مَوْقُوفٌ عَلَى صَاحِبِهِ فَجَرَى مجرى البيوت إذا أذن ربها بالدخول إِلَيْهَا لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لِمَنْ دَخَلَهَا وَالْمَسَاجِدُ لَا يَقِفُ الْإِذْنُ فِيهَا عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ فَجَرَى مَجْرَى الطُّرُقَاتِ الَّتِي تَكُونُ حِرْزًا لِلْأَمْتِعَةِ الَّتِي فِيهَا مَعَ أَرْبَابِهَا.

قِيلَ: صِحَّةُ هَذَا الْفَرْقِ يُوجِبُ عَكْسَ الْحُكْمِ فِي أَنْ يَكُونَ الْحَمَّامُ حِرْزًا وَالْمَسْجِدُ غَيْرَ حِرْزٍ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ حَقٌّ لِدَاخِلِهِ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ حَقٌّ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ إِلَى الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَا يدخل إلى الحمام إلا بإذن، وعكس الحكم مَدْفُوعٌ فَصَارَ الْفَرْقُ مُطَّرَحًا، فَإِذَا ثَبَتَ اسْتِوَاءُ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ فِي الْحِرْزِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ كَانَ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ مُعْتَبَرًا بِأَخْذِهِ مِنْ تَحْتِ صَاحِبِهِ إِنْ كَانَ نائماً، فإن لم يكن تحته فليس بمحرز إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَيْقِظًا فَيَكُونُ حِرْزًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا يَمْتَدُّ إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِمَّا قَارَبَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ.

فَأَمَّا الْحَمَّامُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي قطع السارق منه خروجه مِنَ الْحَمَّامِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ كَالْمَسْجِدِ، وَيُقْطَعُ إِذَا أَخَذَ الثِّيَابَ من موضعها.

والوجه الثاني: أن يعتبر فيه خروجه من الحمام ولا قَطْعَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ، لِأَنَّهُ حرز خاص والمسجد عام.

[(فصل)]

فأما الضيف إذا سرق من دار مَنْ أَضَافَهُ فَإِنْ سَرَقَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَضَافَهُ فِيهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْبُيُوتِ الْمُغَلَّقَةِ عَلَيْهِ قُطِعَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ بِحَالٍ لِارْتِفَاعِ الْحِرْزِ مع الإذن بالدخول ودليلنا: ما أخبر به أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَقْطَعَ نَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فكان يصلي الليل فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ من قطعك؟ قال يعلى بن أمية ظالماً، فقال أبو بكر: لأكتبن وأتوعده فبينا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ فَقَدُوا حُلِيًّا لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَظْهِرْ عَلَى صَاحِبِهِ، قال فوجد عند صائغ فألجئ حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>