مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْفِيلَ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا، وَلَا دَخَلَهَا، وَأَظْفَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِهَا حَتَّى دَخَلَهَا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ حِمَاسِ بْنِ قَيْسٍ، وَمَا أَنْشَدَهُ مِنْ شِعْرِهِ: فَهُوَ أَنَّهُ كَانَ حَلِيفَ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ قَاتَلُوا خَالِدًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ الْقَابِلِينَ لِأَمَانِ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثُمَّ قَدْ أمَّنَ مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ، فَلَئِنْ دَلَّ أَوَّلُ أَمْرِهِ عَلَى الْعَنْوَةِ، فَلَقَدْ دَلَّ آخِرُهُ عَلَى الصُّلْحِ، وَابْتَدَأَ بِالْقِتَالِ بِجَهْلِهِ بِعَقْدِ الْأَمَانِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى شَرْطِ الْأَمَانِ حِينَ عَلِمَ بِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ مَا تَرَدَّدَتْ فِيهِ الرُّسُلُ وَكُتِبَ فِيهِ الصُّحُفَ كَالْحُدَيْبِيَةِ، فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ صُلْحٌ عَلَى الْمُوَادَعَةِ وَالْكَفِّ، فَاحْتَاجَ إِلَى الرُّسُلِ وَكَتْبِ الصُّحُفِ وَهَذَا أَمَانُ اسْتِسْلَامٍ وَتَمْكِينٍ عُلِّقَ بِشَرْطٍ، فَاسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ تَرَدُّدِ الرُّسُلِ وَكَتْبِ الصُّحُفِ وَاقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى أَخْبَارِ أَبِي سُفْيَانَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِحَالِهِ، وَذِكْرِهِ لِقُرَيْشٍ مَا تَعَلَّقَ بِشَرْطِهِ، وَاقْتَصَرَ مِنْ قَبُولِهِمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ دُونَ الرِّضَا وَالِاخْتِبَارِ.
(فَصْلٌ)
: وَإِذْ قَدْ مَضَتْ دَلَائِلُ الْفَتْحِ فِي الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحِ، فَالَّذِي أَرَاهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَقْلُ هَذِهِ السِّيرَةِ وَشُرُوطِ الْأَمَانِ فِيهَا لِمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ مَنْ قَاتَلَ: أَنَّ أَسْفَلَ مَكَّةَ دَخْلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْوَةً، وَأَعْلَى مَكَّةَ دَخَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ صُلْحًا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ عَقْدِ الْأَمَانِ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، وَبَعَثَ الزُّبَيْرَ مِنْ أَعْلَاهَا، وَأَمَرَهُمَا أَنْ لَا يُقَاتِلَا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمَا، فَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَإِنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ فَقُوتِلَ فَقَاتَلَ، فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ قَبُولُ الشَّرْطَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا قَاتَلَهُ بَنُو بَكْرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِمَكَّةَ دَارٌ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ فِي مُقَاتَلَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عَمْرٍو، وَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ قُرَيْشٍ وَأَعْيَانِ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ دَارُهُمْ، وَأَمَّا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فَإِنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ فَلَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ، وَلَا قَاتَلَ أَحَدًا، فَوَجَدَ شَرْطَ الْأَمَانِ مِنْهُمْ فَانْعَقَدَ الصُّلْحُ لَهُمْ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجميع جيشه من جهة الزبير ابن الْعَوَّامِ، فَصَارَ حُكْمُ جَبْهَتِهِ هُوَ الْأَغْلَبُ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّةَ الْتَزَمَ أَمَانَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَاسْتَأْنَفَ أَمَانَ مَنْ قَاتَلَ، وَلِذَلِكَ اسْتَجَدَّ لِعِكْرِمَةَ بْنِ أبي جهل وصفوان ابن أُمَيَّةَ أَمَانًا، وَأَمَّنَ مَنْ أَجَارَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ، وَلَمْ يَغْنَمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ كَانَ عَلَى جِبَالِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا، فَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ نَقْلُ السِّيرَةِ وَشَوَاهِدُ حَالِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَاتَلَ خَالِدٌ وَقَتَلَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ خَالِدًا قَاتَلَ وَقَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ، ففِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا، قَالَهُ لِخَالِدٍ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ بَعَثَهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْفَتْحِ سَرِيَّةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَنِي جذيمة من كنانة، وكانوا أسفل من مكة عَلَى لَيْلَةٍ مِنْهَا نَاحِيَةَ يَلَمْلَمَ لِيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَتَاهُمْ وَقَدْ أَسْلَمُوا وَصَلُّوا، فَقَتَلَ مَنْ ظَفَرَ بِهِ مِنْهُمْ، فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute