فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِ التَّسْلِيمِ، فَيَسْأَلُ إِحْلَافَ الْمُرْتَهِنِ فَيُحَلِّفُونَهُ. وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنْكِرًا، فَتَقُومُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ يَسْأَلُ إِحْلَافَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُحَلِّفُونَهُ؟
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي إِحْلَافِ الْمُرْتَهِنِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَهُ جَرْحًا لِلشُّهُودِ، وَتَعْلِيلًا لِشَهَادَتِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعَ الْإِنْكَارِ لَيْسَ بِمُسْتَأْنِفٍ لِدَعْوَى، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ شَيْئًا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِبْ مَعَ الْبَيِّنَةِ يَمِينٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِتَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ مُسْتَأْنِفٌ لِدَعْوَى، فَجَازَ أَنْ يُحَلَّفَ الْمُرْتَهِنُ عنها.
(فَصْلٌ)
إِذَا أَقَرَّ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ ثُمَّ عَادَ الْمُرْتَهِنُ يُنْكِرُ الْقَبْضَ وَيَدَّعِي أَنَّ إِقْرَارَهُ الْمُتَقَدِّمَ كَانَ عَلَى جَهَالَةٍ كَمَا ادَّعَى الرَّاهِنُ مِنْ قَبْلُ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُ الْمُرْتَهِنِ. فَإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَ الرَّاهِنِ كَانَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ رُجُوعِ الرَّاهِنِ وَسُؤَالِهِ يَمِينَ الْمُرْتَهِنِ، لاستوائهما في تمام القبض بإقرارهما.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْقَبْضُ فِي الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَمَا يَحُولُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُرْتَهِنُهُ مِنْ يَدَيْ رَاهِنِهِ وَقَبْضُ مَا لَا يَحُولُ مِنْ أَرْضٍ وَدَارٍ أَنْ يُسَلَّمَ لَا حَائِلَ دُونَهُ وَكَذَلِكَ الشِّقْصُ وَشِقْصُ السَّيْفِ أَنْ يَحُولَ حَتَّى يَضَعَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ يَدَيِ الشَّرِيكِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْقَبْضِ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي حُكْمِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ وَقَدْ مَضَى.
وَالثَّانِي: فِيمَا يَصِيرُ بِهِ الرَّهْنُ مَقْبُوضًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ صَارَ بِهِ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا لِلْمُشْتَرِي صَارَ بِهِ الرَّهْنُ مَقْبُوضًا لِلْمُرْتَهِنِ. وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَجُمْلَتُهُ: أَنَّ الرَّهْنَ ضَرْبَانِ: مَحُوزٌ وَمُشَاعٌ.
فَأَمَّا الْمَحُوزُ فَضَرْبَانِ: مَنْقُولٌ وَغَيْرُ مَنْقُولٍ. فَغَيْرُ الْمَنْقُولِ: الدُّورُ وَالْعَقَارُ وَالْأَرَضُونَ. وَقَبْضُ ذَلِكَ يَكُونُ بِرَفْعِ يَدِ الرَّاهِنِ عَنْهَا، وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَبَيْنَهَا، وَالْمَنْقُولُ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَقَبْضُهُ بِشَيْئَيْنِ: الْكَيْلُ وَالتَّحْوِيلُ إِنْ كَانَ مَكِيلًا. وَالْوَزْنُ وَالتَّحْوِيلُ إِنْ كَانَ موزنا.