للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: الصَّوْمُ وَالْإِحْرَامُ مَانِعٌ فَلَمْ يَتِمَّ التَّسْلِيمُ.

قِيلَ: الْجُبُّ وَالْعُنَّةُ أَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنَ التَّسْلِيمِ الْمُوجِبِ لِكَمَالِ الْمَهْرِ عِنْدَهُمْ بِالْخَلْوَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ فِي الصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ لَكَمَلَ الْمَهْرُ وَاسْتَقَرَّ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ الْخَلْوَةُ لَوْ أَوْجَبَتْ كَمَالَ الْمَهْرِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ مُوجِبَةً لِكَمَالِهِ فِي الْإِحْرَامِ كَالْوَطْءِ.

عَلَى أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِيرُ عِنْدَهُمْ وَاجِبًا بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْخَلْوَةَ فِيهِ مِنْ كَمَالِ الْمَهْرِ عِنْدَهُمْ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ صَوْمِ الْفَرْضِ.

عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ مُقَدَّرَةٌ بِالزَّمَانِ، فَجَازَ أَنْ تَسْتَقِرَّ الْأُجْرَةُ بِالتَّمْكِينِ فِيهِ لِتَقْضِيَهُ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ مُقَدَّرًا بِالزَّمَانِ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْمَهْرُ فِيهِ بِالتَّمْكِينِ إِلَّا بِانْقِضَاءِ زَمَانِهِ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالْوَطْءِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْعَقْدِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْوَطْءِ: فَالْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ بِالْوَطْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَلْوَةُ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالنَّفَقَةِ: فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ النَّفَقَةَ مُقَابَلَةٌ بِالتَّمْكِينِ دُونَ الْوَطْءِ وَلِذَلِكَ وَجَبَ لَهَا النَّفَقَةُ مَعَ التَّمْكِينِ فِي الصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُمْ لَا يُكْمِلُونَ الْمَهْرَ بِالْخَلْوَةِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ.

فَصْلٌ

وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ مَالِكٍ: أَنَّ الْخَلْوَةَ يَدٌ لِمُدَّعِي الْإِصَابَةِ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِي دَعْوَى الْإِصَابَةِ تَجْرِي مَجْرَى اللَّوْثِ فِي الْقَسَامَةِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي فَكَذَلِكَ الْخَلْوَةُ، وَلِأَنَّ الْإِصَابَةَ مِمَّا يَسْتَسِرُّهُ النَّاسُ وَلَا يُعْلِنُونَهُ فَتَعَذَّرَتْ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا، فَجَازَ أَنْ يُعْمَلَ فِيهَا عَلَى ظَاهِرِ الْخَلْوَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا فِي قَبُولِ قَوْلِ مُدَّعِيهَا، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَوْلَى فِي دَعْوَى الْإِصَابَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ.

وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْإِصَابَةِ لَا يُوجِبُ تَرْجِيحَ مَنْ يَدَّعِيهَا بِالْخَلْوَةِ، كَمَا لَوْ خَلَا بِهَا لَيْلَةً فِي بَيْتِهَا.

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ فِي ذَلِكَ بِاللَّوْثِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَرْجِيحِ الدَّعْوَى فِي الْأَمْوَالِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي تَرْجِيحِ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ.

وَأَمَّا قَبُولُ قَوْلِ الْمَوْلَى فِي دَعْوَى الْإِصَابَةِ؛ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ ثُبُوتُ النِّكَاحِ فَلَمْ تُصَدَّقِ الزَّوْجَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ فَسْخِهِ، وَالْأَصْلُ هَاهُنَا بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ الْعِدَّةِ فَلَمْ يُصَدَّقْ مُدَّعِي اسْتِحْقَاقِهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>