للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ مُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْمَهْرِ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكْمُلَ بِهِ الْمَهْرُ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الْخَلْوَةِ، وَلِأَنَّهَا خَلْوَةٌ خَلَتْ عَنِ الْإِصَابَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكْمُلَ بِهَا الْمَهْرُ كَالْخَلْوَةِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا فَرْضًا؛ وَلِأَنَّ مَا لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ لَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ كَالْقُبْلَةِ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ، وَلِأَنَّ الْخَلْوَةَ لَمَّا لَمْ يَقُمْ فِي حَقِّهَا مَقَامُ الْإِصَابَةِ لَمْ يَقُمْ فِي حَقِّهِ مَقَامُ الْإِصَابَةِ كَالنَّظَرِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خَلَا بِهَا لَمْ يَسْقُطْ بِهَا حَقُّ الْإِيلَاءِ، وَالْعُنَّةِ، وَلِأَنَّ ما لا يثبت به حق التسليم في أحد جنبي الْعَقْدِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حَقُّ التَّسْلِيمِ فِي الْجَنَبَةِ الْأُخْرَى قِيَاسًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالْمُؤَاجَرِ إِذَا كَانَ دُونَ قَبْضِهِمَا حَائِلٌ، وَلِأَنَّ لِلْوَطْءِ أَحْكَامًا تَخْتَصُّ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ وَالْغُسْلِ، وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ وَالْإِحْلَالِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَسُقُوطِ الْعُنَّةِ وَحُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَكَمَالِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ فِيهِمَا.

فَلَمَّا انْتَفَى عَنِ الْخَلْوَةِ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ سِوَى تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ انْتَفَى عَنْهَا هَذَانِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنِ الْخَلْوَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفَرَّاءَ قَدْ خُولِفَ فِي تَفْسِيرِ الْإِفْضَاءِ، فَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي " مَعَانِيهِ ": إِنَّهُ الْغَشَيَانُ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي " غَرِيبِ الْقُرْآنِ " هُوَ الْجِمَاعُ.

فَكَانَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ مَحْجُوجًا بِغَيْرِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي اسْتَدْلَلْنَا بِهَا مُفَسِّرَةٌ تَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُجْمَلِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ: فَهُوَ أَنَّ كَشْفَ الْقِنَاعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُمْ، فَإِنْ جَعَلُوهُ كِنَايَةً فِي الْخَلْوَةِ كَانَ جَعْلُهُ كِنَايَةً فِي الْوَطْءِ أَوْلَى.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: " مَا ذَنْبُهُنَّ إِنْ جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ " فَهُوَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهَا الْمَهْرُ مَعَ الْعَجْزِ، سَوَاءٌ كَانَتْ خَلْوَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ اسْتِحْقَاقُ دَفْعِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْإِجَارَةِ فَمُنْتَقَضٌ مِمَّنْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي صَوْمٍ، أَوْ إِحْرَامٍ، أَوْ حيض.

<<  <  ج: ص:  >  >>