الوصية للعبد أن يكاتب
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدٌ لَهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ حَاصَّ أَهْلَ الْوَصَايَا وَكُوتِبَ عَلَى كِتَابَةِ مِثْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَصَايَا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قِيلَ إِنْ شِئْتَ كَاتَبْنَا ثُلُثَكَ وَوَلَاءُ ثُلُثِكَ لِسَيِّدِكَ وَالثُّلُثَانِ رَقِيقٌ لورثته (قال المزني) رحمه الله هذا خلاف أصل قوله مثل الذي قبله) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا وَصَّى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ كَانَتْ قِيمَتُهُ مُعْتَبَرَةً مِنْ ثُلُثِهِ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ مِنْ وَجْهٍ، وَكَالْعِتْقِ مِنْ وَجْهٍ، يَعُودُ الْوَلَاءُ فِيهِ إِلَى السَّيِّدِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَطَايَا وَالْعِتْقِ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ، فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ أَنْ تَخْرُجَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِنَ الثُّلُثِ أَوْ لَا تَخْرُجُ، فَإِنْ خَرَجَتْ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ كُوتِبَ جَمِيعُهُ إِنْ شَاءَ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْكِتَابَةَ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِكِتَابَتِهِ، فَإِنْ عَادَ فَطَلَبَهَا بَعْدَ الرِّقِّ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْوَرَثَةُ كِتَابَتَهُ فِي حُقُوقِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ أَرَادَ الْكِتَابَةَ فِي الِابْتِدَاءِ أُجِيبُ إِلَيْهَا، وَرَجَعَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُكَاتَبُ بِهِ إِلَى الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ سَمَّاهُ السَّيِّدُ، وَذَكَرَ الْقَدْرَ الَّذِي يُكَاتَبُ بِهِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ ضَرَرٌ، إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مُحْتَسَبَةٌ عَلَى الْمَيِّتِ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ قَدْرًا كُوتِبَ كِتَابَةَ مِثْلِهِ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ عَلَى رَجُلٍ بِيعَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، وَكِتَابَةُ الْمِثْلِ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْبَيْعِ بِالنَّسَاءِ يَكُونُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ نَقْدًا، فَإِذَا صَحَّتْ كِتَابَتُهُ، وَانْعَقَدَتْ عَلَى مَا وَصَفْنَا أَدَّى مَالَهَا إِلَى الْوَرَثَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ كَسْبًا لَهُمْ لَا يُضَمُّ إِلَى تَرِكَةِ الْمُوصِي، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالٍ حَدَثَ بَعْدَ الْوَفَاةِ، فَجَرَى مَجْرَى مَا حَدَثَ مِنْ نماء النخل، ونتاج الماشية، فإن أدى أَدَّى هَذَا الْمُكَاتَبُ مَالَ كِتَابَتِهِ عَتَقَ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي، يَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إِلَى الذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهِ، وَإِنْ عَجَزَ كَانَ وَرَثَتُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِنْظَارِهِ، وَبَيْنَ تَعْجِيزِهِ وَاسْتِرْجَاعِهِ.
فَصْلٌ
وَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ قِيمَتِهِ، وَلَمْ يُخْرِجْ جَمِيعَهَا مِنْهُ، فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مَعَهُ وَصَايَا أَوْ لَا تَكُونُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ وَصَايَا تَوَفَّرَ الثُّلُثُ كُلُّهُ فِي قِيمَتِهِ، وَكُوتِبَ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ وَصَايَا فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَصَايَا وَالْعِتْقِ إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute