(فَصْلٌ:)
وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا فَأَمْسَكَ عَلَى فَمِهِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا نُظِرَ، فَإِنْ أَرَادَ الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَمَنَعَ مِنْ إِظْهَارِ الثَّلَاثِ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهَا بِاللَّفْظِ وَقَعَتْ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهَا، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالثَّلَاثِ فَمَنَعَ مِنْهَا طُلِّقَتْ وَاحِدَةً بِاللَّفْظِ، وَلَمْ تُطَلَّقْ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْهَا مَعَ إِرَادَةِ التَّلَفُّظِ بِهَا، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَمَنَعَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ لَمْ يَقَعْ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ أَنْ يقول ثلاثاً فمات قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا، كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الثَّلَاثَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَمَاتَتْ قَبْلَ التَّصْرِيحِ بِهِ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الثَّلَاثَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَأَرَادَ أَنْ يُصَرِّحَ بِهَا لَمْ تُطَلَّقْ ثَلَاثًا.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ تَحْبَلِي أَوْ مَا لَمْ تَحِيضِي طُلِّقَتْ إِذَا لَمْ تَحْبَلْ في الحال أو تحيض، فإن كانت حبلى أو حائضاً طلقت، لأنه عَلَى حَبَلٍ وَحَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَبَلَهَا وَوَضَعَتْ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ طُلِّقَتْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَحَبَلٍ مُبْتَدَأٍ، وَإِنْ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا نُظِرَ فَإِنْ كَانَ حِينَ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لَهَا طُلِّقَتْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَبَلٍ اقْتَرَنَ بِلَفْظٍ، لِأَنَّهُ مِنْ أَحْدَاثِ مُبَاشِرَةٍ بَعْدَ اللَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ حِينَ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ مُبَاشِرًا لَهَا، فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَقَعُ، لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عُمُومٌ إِلَّا بِشَرْطٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ عَجَّلْتُهَا أَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ الطَّلْقَةَ السَّاعَةَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ تِلْكَ الطَّلْقَةَ تَتَعَجَّلُ قَبْلَ وَقْتِهَا لَمْ تَتَعَجَّلْ وَلَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا بِمَجِيءِ الشَّهْرِ، وَلَا تُطَلَّقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الشُّرُوطِ بَعْدَ عَقْدِهَا لَا يَجُوزُ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَعْجِيلَ طَلَاقِهَا فِي الْحَالِ بَدَلًا مِنَ الطَّلَاقِ الْمُؤَجَّلِ بَدَأَ مِنَ الشَّهْرِ طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ الطَّلْقَةَ الْمُعَجَّلَةَ وَلَمْ تَكُنْ بَدَلًا مِنَ الطَّلْقَةِ الْمُؤَجَّلَةِ، فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ طُلِّقَتْ بِالشَّرْطِ أُخْرَى، لِأَنَّ إِبْطَالَ مَا قُيِّدَ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ، أَلَّا تَرَاهُ لَوْ قَالَ: إِذَا كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَبْطَلْتُ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يَبْطُلْ وَطُلِّقَتْ فِي كَلِمَتِهِ، فَلَوْ قَالَ: إِذَا كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَبْطَلْتُ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يَبْطُلْ وَطُلِّقَتْ فِي كَلِمَتِهِ، فَلَوْ قَالَ: إِذَا كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا بَلْ إِذَا كَلَّمْتِ عَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طُلِّقَتْ بِكَلَامِ زَيْدٍ وَاحِدَةً، وَطُلِّقَتْ بِكَلَامِ عَمْرٍو ثَانِيَةً، لِأَنَّهُ رَاجِعٌ عَنِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي فَلَزِمَهُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ، وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنِ الْأَوَّلِ.
وَقَدْ تُحْمَلُ الْأَيْمَانُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْعُرْفِ، كَمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ بِاللَّهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute