وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِلْأَدَاءِ وَالْإِحْرَامُ مِنْ مِصْرَ وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِمَسَافَةِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْبَصْرَةِ فَهُوَ غَيْرُ الْإِحْرَامِ مِنَ الْبَصْرَةِ فَلَمْ يَقُمْ مَقَامَ الْإِحْرَامِ مِنَ الْبَصْرَةِ فِي إِسْقَاطِ الدَّمِ.
فَصْلٌ
: فَلَوْ كَانَ فِي الأداء قد مر بميقات بلده مريد الحج فَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَفْسَدَ حَجَّهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِمُجَاوَزَتِهِ مِيقَاتَهُ، وَبَدَنَةٌ لِوَطْئِهِ وَالْقَضَاءُ فِي الْقَابِلِ مِنْ مِيقَاتِهِ دُونَ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ قَدْ أَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنْ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ قَدْ أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ مَرَّ بِمِيقَاتِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِوُرُودِهِ مِنْ بَلَدِهِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ مَنْ مَرَّ مِيقَاتَهُ مُرِيدًا لِنُسُكٍ فَعَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، فَإِذَا جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ الدَّمُ بِمُجَاوَزَتِهِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونُ قَدْ مَرَّ بِمِيقَاتِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا بِالْحَرَمِ فَخَرَجَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ قَدْ أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنَ الْحَرَمِ، فَيُجْزِئُهُ إِحْرَامُهُ مِنْهُ وَلَا دَمَ عليه إلا الإحرام من الميقات إنما يَلْزَمُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ، إِمَّا بِالْحُصُولِ فِيهِ أَوْ قضاء الإحرام كان منه، وهما معدومان هاهنا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنَ الْحِلِّ، فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِلْأَدَاءِ وَقَدْ فَعَلَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَحَدَ مِيقَاتَيْنِ إِمَّا الْحَرَمُ أَوْ مِيقَاتُ بَلَدِهِ وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ دَمٌ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْقَارِنُ إِذَا أَفْسَدَ قِرَانَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِوَطْئِهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ لِوَطْئِهِ كَفَّارَتَانِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طوافين، ويفتدي في قتل الصيد بجزائين، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا، وَيُفْتَدَى فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَاحِدٌ بِجَزَاءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِوَطْئِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِقِرَانِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَإِنْ قَضَى قَارِنًا أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِقِرَانِهِ وَالْقَضَاءِ، وَإِنْ قَضَى حجاً مفرداً وعمرة مفردة.
قال الشافعي: لم يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي: لَمْ يَكُنْ لَهُ إِسْقَاطُ الدَّمِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِفْرَادِ وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ وَإِنْ قَضَى مُفْرِدًا وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ فَرْضَ الْقِرَانِ لَا يَسْقُطُ بِالْإِفْرَادِ وَإِنَّمَا دَمُ الْقِرَانِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِفْرَادِ، فَلَوْ أَحَلَّ الْقَارِنُ إِحْلَالَهُ الْأَوَّلَ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ ولم يطف ولم يسع حتى وطء لم يفسد قرانه، إن كان الواطئ فِي الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ،