فَأَمَّا الطِّلَاءُ مِنَ الدُّهْنِ وَالضِّمَادِ فَمَحْسُوبٌ عَلَيْهِ إِنِ اسْتَعْمَلَهُ، وَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إِلَّا بِقِيمَةٍ مَحْسُوبَةٍ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَعْهُودِ الْمَأْكُولِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ وَغَيْرُ مَحْسُوبَةٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ ضَرُورَتَهُ إِلَيْهَا أَدْعَى، فَكَانَتِ الْإِبَاحَةُ أَوْلَى.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَا تُؤْكَلُ إِلَّا تَدَاوِيًا، حُسِبَتْ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ وإن أكلت لدواء غير دَوَاءٍ لَمْ تُحْسَبْ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا عُلُوفَةُ دَوَابِّهِمْ وَبَهَائِمهِمْ فَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِي جِهَادِهِ، مِنْ فَرَسٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ وَبَهِيمَةٍ يَحْمِلُ عَلَيْهَا رَحْلَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَعْلِفَهَا مِنْ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ مَا تَعْتَلِفُهُ الْبَهَائِمُ مِنْ شَعِيرٍ وَتِبْنٍ وَقَتٍّ، وَلَا يَتَعَدَّى الْعُرْفَ فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّ ضَرُورَتَهَا فِيهِ كَضَرُورَتِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا اسْتُصْحِبَ لِلزِّينَةِ وَالْفُرْجَةِ كَالْفُهُودِ وَالنُّمُورِ وَالْبُزَاةِ الْمُعَدَّةِ لِلِاصْطِيَادِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْلِفَهَا مِنْ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْجِهَادِ، فَإِنْ أُطْعِمْهَا كَانَ مَحْسُوبًا عَلَيْهَا
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا حَمَلَهُ لِلِاسْتِظْهَارِ بِهِ لِحَاجَةٍ رُبَّمَا دَعَتْ إِلَيْهِ كَالْجَنِيبَةِ الَّتِي يَسْتَظْهِرُ بِهَا لِرُكُوبِهِ، أَوْ بِهَائِمَ يَسْتَظْهِرُ بِهَا لِحُمُولَتِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْلِفَهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لِأَنَّهَا عُدَّةٌ يَقْوَى بِهَا عَلَيْهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يتعدى بها مال لنفسه، وإن علفها من أموالهم كان محسوبا عليها مِنْ سَهْمِهِ اعْتِبَارًا لِحَاجَتِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا، وَكَمَا لَا يُسْهَمُ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَإِنِ اسْتَظْهَرَ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْعُلُوفَةَ إِلَى إِنْعَالِ دَوَابِّهِ، وَلَا أَنْ يُوقِحَ حَوَافِرَهَا وَيَدْهِنَ أَشَاعِرَهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا مَا عَدَا الطَّعَامَ وَالْعُلُوفَةَ مِنَ الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْآلَةِ وَالْمَتَاعِ فَجَمِيعُهُ غَنِيمَةٌ مُشْتَرَكَةٌ يُمْنَعُ مِنْهَا، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا، فَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مِنْهَا فَأَخْلَقَهُ، أَوْ رَكِبَ دَابَّةً فَهَزَلَهَا اسْتَرْجَعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَغَرِمَ نَقْصَهُ كَالْغَاصِبِ.
رَوَى رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا خَلِقَ رَدَّهُ فِيهِ " وَلِأَنَّ الْمُضْطَرَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَسْتَبِيحُ أَكْلَ الطَّعَامِ دُونَ الثِّيَابِ، فَكَذَلِكَ الْمُجَاهِدُ فِي دَارِ