عَمَلِهِ، فَنَزَاهَتُهُ عَنْهَا أَوْلَى بِهِ مِنْ قَبُولِهَا لِيَحْفَظَ صِيَانَتَهُ فَإِنْ قَبِلَهَا جَازَ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا.
فَأَمَّا نُزُولُهُ ضَيْفًا عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ جَازَ. وَلَا يُكْرَهُ إِنْ كَانَ عَابِرَ سَبِيلٍ، وَيُكْرَهُ إِنْ كَانَ مُقِيمًا.
(حكم مهاداة القضاة) .
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ مُهَادَاةِ الْقَاضِي، فَإِنْ أُبِيحَتْ لَهُ جَازَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا، وَلَمْ يَجِبْ رَدُّهَا وَإِنْ حُظِرَتْ وَمُنِعَ مِنْهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّفْصِيلِ، انْقَسَمَتْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ رِشْوَةً لِتَقَدُّمِهَا عَلَى الْمُحَاكَمَةِ، فَيَجِبُ رَدُّهَا عَلَى بَاذِلِهَا.
فَإِنْ رَدَّهَا قَبْلَ الْحُكْمِ نَفَذَ حُكْمُهُ.
وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ الْحُكْمِ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى الْبَاذِلِ نَفَذَ وَإِنْ كَانَ لِلْبَاذِلِ فَفِي نُفُوذِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُنَفِّذُ، إِذَا وَافَقَ الْحَقَّ كَمَا يُنَفِّذُ لِلصَّدِيقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُنَفِّذُ، كَمَا لَا يُنَفِّذُ لِوَالِدٍ وَلَا لِوَلَدٍ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُمَايَلَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْهَدِيَّةُ جَزَاءً لِتَأَخُّرِهَا عَنِ الْحُكْمِ، فَيَجِبُ رَدُّهَا عَلَى مُهْدِيهَا، وَالْحُكْمُ مَعَهَا نَافِذٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلْمُهْدِي أَوْ عَلَيْهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَخْرُجَ الْهَدِيَّةُ عَنِ الرِّشْوَةِ وَالْجَزَاءِ، لِابْتِدَاءِ الْمُهْدِي بِهَا تَبَرُّعًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْقَاضِي لِحَظْرِهَا عَلَيْهِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهَا: تُرَدُّ عَلَى مُهْدِيهَا لِفَسَادِ الْهَدِيَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِبَذْلِهَا طَوْعًا لِنَائِبِ المسلمين.
[(فصل: الهدية على الشفاعة) .]
روى عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ شَفَعَ لِأَحَدٍ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ".
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَسَيَظْهَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى مَا يُوجِبُهُ حُكْمُ الْأُصُولِ.
وَمُهَادَاةُ الشَّافِعِ مُعْتَبَرَةٌ بِشَفَاعَتِهِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: