فِي الْفِدْيَةِ عَلَى مَا مَضَى، وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا كَانَ فِي أَوَّلِ مَشْيِهِ وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَجِّ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ بَلَدِهِ، وَيُحْرِمُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ مِيقَاتِهِ وَيُحْرِمُ مِنْهُ بِعُمْرَتِهِ، وَآخِرُ مَشْيِهِ إِذَا أَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَفِيمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْهُمَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَالْحَلْقِ، إِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ.
وَالثَّانِي: بِالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، إِنْ قِيلَ: إِنَّ الْحَلْقَ إِبَاحَةٌ بَعْدَ حَظْرٍ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ انْصَرَفَ هَذَا إِلَى النَّذْرِ، فَانْعَقَدَ نَذْرُهُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، رُوعِيَ مَخْرَجُ لَفْظِهِ، فَإِنْ تَضَمَّنَ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُجَازَاةً عَلَى اجْتِلَابِ نَفْعٍ، أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، أَوْ شَرَطَ فِيهِ الْمَشْيَ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ النَّذْرِ انْصَرَفَ ذَلِكَ إِلَى النَّذْرِ، وَانْعَقَدَ نَذْرُهُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّذْرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ، فَهُوَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَذْرًا لِحَجٍّ، وَمُحْتَمِلٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِخْبَارَ بِفَرْضِ الْحَجِّ؛ فَوَجَبَ لِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الْمُرَادِ بِهِ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ النَّذْرَ كَانَ نَذْرًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ نَذْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ النَّذْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِشَكْلٍ محتمل.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ حَلَّ مَاشِيًا وَعَلَيْهِ حَجُّ قابلٍ مَاشِيًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَحْرَمَ بِمَا نَذَرَهُ مِنَ الْحَجِّ مَاشِيًا، وَفَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إِمَّا بِإِحْصَارٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ خَطَأٍ فِي عَدَدٍ أَوْ ضَلَالٍ فِي طَرِيقٍ فَلَا يَخْلُو حَجُّ نَذْرِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ الزَّمَانِ، أَوْ مُعَيَّنًا فَإِنْ أَطْلَقَ زَمَانَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِسَنَةٍ بِعَيْنِهَا، جَازَ لَهُ تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ عَامٍ، وَجَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْوَامِ؛ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْكَدُ وَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي فَكَانَ حَجُّ النَّذْرِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاضِي.
فَإِذَا أَحْرَمَ بِهِ فِي عَامٍ، وَمَشَى فِيهِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ بِأَحَدِ مَا ذَكَرْنَا، وَجَبَ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ بعملة عُمْرَةٍ مِنْ طَوَافٍ، وَسَعْيٍ وَحِلَاقٍ، وَفِي لُزُومِ الْمَشْيِ فِيمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَمْشِي فِيهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالنَّذْرِ وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَحَلَّلُ بِهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ غَيْرُ مُجْزِئٍ عَنْ نَذْرِهِ فَسَقَطَ الْمَشْيُ فِيهِ كَمَا سَقَطَ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ مِنَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ ثُمَّ عَلَيْهِ قَضَاءُ